وداعًا 2015م

عائشة البلوشية

للوداع قساوته وحلاوته في آن واحد، فقساوته تكمن في أنّ من نودعه أو ما نودعه قد لا نلقاه مرة أخرى، هل تذكرون ذلك المقطع الممتلىء بكل براءة الوجود، والذي انتشر قبل مدة لطفلة صغيرة تودّع مصاصتها البلاستيكية (أو ما نطلق عليه في لهجتنا العمانية "اللهاية")؟ كانت تبكي بكل حرقة وهي تلوح لها مودعة، حيث ابتكر والداها أسلوبًا جميلا لفطامها، عندما قاما بربطها بخيط في بالونات ملونة لترحل إلى السماء. إنّ للحظة الوداع طعم ونكهة لا يعرفهما إلا من رحل عن دنياه شخص له في صميم الروح بصمة جميلة، وفاتته تلك اللحظة التي يلثم فيها جبينه، ويهمس في أذنه استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، لحظة هي بمثابة مخزون عظيم من الطاقة ربما يستمر مع الشخص طوال عمره، ووداع الراحل في الدنيا أو عن الدنيا سيان في مرارتهما، ويجمع بينهما الأمل في اللقيا، إمّا بعد حين في دار الممر، أو بعد أجل في دار المقر.. ووداع الشخوص يختلف تمامًا عن وداع الزمان، فوداع البشر تعقبه لقيا، طال الزمان أم قصر بإذن الله، أمّا وداع الزمان فهو الأصعب، فاللحظة من الزمان التي تودعنا لن تعود أبدًا، وها هو عام 2015م يودعنا بأتراحه وأفراحه، ويقفل مغاليقه ويمضي بما مضى من خير أو شر، ولن نستطيع استعادة لحظة من لحظاته ولو بكنوز الدنيا كلها، لذا كان واجبًا علينا أن نستلهم الموعظة والحكمة من المحطات التي مررنا بها خلال العام، ونقف عند ذكريات المواقف المختلفة، فنثبت على الصالح، وننبذ الطالح، ونتعلم من أخطائنا كيفيّة التعامل مع كل ما يمر بنا من خير وشر، وأن نستبصر الأمور ونتحلّى بالأناة والتريث قبل القفز بقول أو فعل يورثنا الندامة ما بقي لنا من عمر؛ فوداعًا 2015م، وداع مغلف بالدعاء أن يغفر الله لنا الزلّة ويعفو ويصفح عمّا بدر منا، وأن يغفر لموتانا ويتقبلهم القبول الحسن..

مرحبا 2016م.. ها نحن نقف على نفس العتبة ملوّحين بالوداع والترحاب في ذات اللحظة، وﻷننا نقف على نفس الفتحة الزمانيّة يجب أن نكون قد أعددنا خططنا الواضحة للعام الجديد، كي نستقبله بإيجابيّة وبشر، وأن نربت على أكتاف قلوبنا لنطمئنها دومًا بأنّه "يدبر الأمر"، وأن نهمس في آذان ضمائرنا أن لنفسك عليك حق، ولبيتك عليك حق، ولوطنك عليك حق، ولولي أمرك عليك حق، فلا تبخس أيًا منها حقه.. نقف وقفة المتفكّر المتدبر، ننظر إلى مكمن الخطأ الذي مررنا به في العام الفائت، ونصنع الجسور الصلبة في هذا العام لرتق الهوة التي تسببنا من خلالها في خلل لأنفسنا أو محيطنا، ونحسب حساب اللحظة وأهميّتها وما يمكن أن تحدثه من فرق عجيب إن أحسنا استغلالها، وإذا كان الشاعر قد قال: "إذا هبّت رياحك فاغتنمها فإنّ لكل خافقة سكون"، أوافقه فيما قال مع إضافة نقطة رحيق ألا وهي حتى وإن لم تهب رياحك، قم وتحرك واصنع مروحتك الخاصة واخلق الفرص لنفسك ولغيرك، وتحرك واملأ روحك بالأمل والإيجابيّة لتسعد وتسعد من حولك.. ترى لماذا جاء الحديث الشريف معددًا أنواعا مختلفة تدخل تحت نطاق الصدقة (كل يوم تشرق فيه الشمس وتعدل بين اثنين صدقة، إماطتك الأذى عن الطريق صدقة، أن تعين الرجل على دابته أو تحمله عليها صدقة، ابتسامتك في وجهك أخيك المسلم صدقة)، ﻷنّها كلها محفزات لنا لنتحرك ونبث الجمال والعطاء ولو بابتسامة صبوحة؛ ﻷنّ هذا من شأنه أن يبعث بالأمل في النفس ويطمئنها، وهكذا يجب أن نكون، مشاعل للخير والأمل في عالم أصبح ينتشي بمظاهر القسوة والجوع والتشرّد، لنستقبل العام الجديد بتفاؤل ودعاء الملح المستجير بأن يديم الله على عماننا الغالية نعم الأمن والأمان والاستقرار وباقي بلاد المسلمين والعالم، وأن يمد في عمر سلطاننا الغالي، وأن يكسوه بثوب الصحة والعافية، وأن يسعده بشعبه المحب له على امتداد الزمان، وعسى أن يكون عامًا معقودًا بنواصيه الخير والأرزاق العديدة والكثيرة..

توقيع: "لا تفوتوا لحظة الوداع بدعوى الألم، بل اعتبروها شاحنا لطاقة إيجابيّة مكثفة، واستقبلوا الجديد بتفاؤل المحسن ظنّه بالله".

تعليق عبر الفيس بوك