سنة تموت.. سنة تحيا

مسعود الحمداني

(1)

تتوالى السنون، وتهتك أستار الغيب، تذهب خلف صقيع السماء، وترتجف كورقة تسقط من شجرة الزمن، واحدة تلو واحدة، تشكو أنينها، وحنينها للمارين على قبر الأيام الخوالي، تاركين خلفهم شيئًا من كل شيء.

(2)

تسرقنا اللحظات، وتفنينا عقارب الوقت، وتباغتنا لحظات أخرى، ما تلبث أن تصير ذكرى تهمس في آذاننا بكلمات لا نفهمها، تعيد لنا العبارة، ولكننا نظل حيارى لا مكان يأوينا، ولا زمان نسند إليه رؤوسنا المتعبة بعد سباقنا الماراثوني نحو اللاشيء.

(3)

نستكشف ما حولنا، نفتش في جيوب ذاكرتنا المشوّشة، ونُخرج من بين أوراقنا العتيقة خيباتنا المخبأة خلف لهاثنا الممتد من الولادة وحتى الموت، نسترق النظر إلى كرسيّ بقدم واحدة، لم يعد يقوى على حمل أكثر من ظل مكسور تركناه خلفنا.

(4)

سنة تمر، وسنة تأتي، ونحن كما نحن نقبع في المجهول، نعيش بين ضجيج الكون، نجلس بعيدًا حيث تموت الفراشات حرقا.. ونسافر عبر الزمن إلى مكانٍ قصيّ، تعبث بنا الأقدار وتسيّرنا نحو بغيّتها، ولا نملك فرارًا، ولا قرارا، ولا حتى استراحة محارب قديم.. ونظل كما أردنا أن نكون؛ مهزومين، ومهروسين بين أضراس القدر، ننتظر القادم لعلّ القادم أجمل، والأجمل لا يأتي.

(5)

الشوارع المكسوّة بالغبار تراقبنا من بعيد، تعدّ علينا أنفاسنا، وتزدحم بالمارين من حولنا، يسيرون فوقنا، ونحن جاثمين كقطط صغيرة تشعر بالخوف من كل شيء، تحاول النهوض والهرب ولكنها عاجزة عن الفعل، يتخطّفها الطير ويلقيها في مكان سحيق، وتغرس العناكب سمّها في جلدها المترهل.. فدم القطط الصغيرة قادر على منح الحياة للحشرات والسحرة ومصاصي الدماء.

(6)

سنة جديدة، رقم جديد، مجرد رقم لا يغيّر من الأمر شيئًا، فالحال هو الحال، والموت هو الموت، والمشردون يجوبون أصقاع الأرض، والجوعى يهربون من النسور التي تحاول الفتك بهم، والخراب يعمّ كل شبر يقع بين البحر والبحر، ونحن كما نحن نحتفل بما كان، بخطب ومواعظ، وساعات حداد على حالنا.. ولا شيء جديد..

Samawat2004@live.com

تعليق عبر الفيس بوك