قرار بحظر "الواتس آب"

طالب المقبالي

قبل أيام، تم تداول خبر نُشر عبر موقع البوابة العربية للأخبار التقنية، عن قيام البرازيل بحظر استخدام "الواتس آب" لمدة 48 ساعة مع توجهات لإيقافه نهائيا.. هذا الخبر أثار الرعب لدى الكثير من الناس، خاصة أولئك الذين أدمنوا استخدامه بشكل غير منظم، بل وأساءوا استخدامه؛ فـ"الواتس آب" أصبح الشغل الشاغل لدى الناس، وأصبح هاجسًا مؤرقًا لدى الكثير من العقلاء والمفكرين.

لقد صُنِّف "الواتس آب" بأنه واحد من وسائل التواصل الاجتماعي التي تقرب بين الناس وتجمع شتاتهم وتوطد صلة القربى بين الأهل والأصدقاء والمعارف، أو على الأقل هذا هو المأمول، إلا أن كثيرًا من الناس أساءوا استخدامه! فبدلا من أن يجمع الأقارب صار يفرِّق بين الناس، ويفرق بين أفراد الأسرة وبين الأصدقاء وبين زملاء العمل.

في البيت تجد الواحد منعزلا عن عائلته ويضحك بنفسه مع نفسه وكأنه مجنون، أو أصيب بهوس. فنجد الزوج والزوجة والأولاد كلًّا منهم منشغلًا في مجموعاته الخاصة، يدردش ويضحك ويلهو بالحديث مع أقرانه عبر "الواتس آب".

فالزوج مع زملاء العمل، أو زملاء النادي، أو زملاء السفر، والزوجة كذلك منشغلة مع زميلاتها في العمل إن كانت تعمل، أو جاراتها، في حين يهيم الأولاد في عالمهم بلا رقيب ولا محاسب فيما يفعلون، فكلٌّ من الأب والأم منهمكان في عالمهما الخاص. فأي تواصل اجتماعي جنيناه من وراء "الواتس آب".

لا ننكر أن لـ"الواتس آب" جوانب إيجابية كثيرة لو وُظِّف بالشكل الصحيح؛ فقد أصبح وسيلة من وسائل الاتصال السريعة والسهلة لتبادل المعلومات والأخبار والصور والملفات الصوتية ومقاطع الفيديو، إلا أنَّ الناس قد ذهبوا بعيدا بهذه الخدمة، فأصبحوا يستخدمونه وهم يقودون سياراتهم ويتسببون في هلاك الآخرين قبل أنفسهم.

كما تجدهم منشغلين به في العمل ويعطلون مصالح الآخرين، وأيضا يستخدمونه في قاعات الدراسة والحلقات العلمية والورش والاجتماعات؛ مما ينتج عنه فقدان اكتساب المعرفة والمهارات والمعلومات من هذه الحلقات العلمية؛ فقبل شهر أو أكثر حضرت حلقة عمل أمنية، وكان الهاتف من المقتنيات الممنوع إدخالها إلى القاعة، وكلمة حق أقولها بأن جميع من في القاعة كان متفاعلاً مع المحاضرين، وكانت المناقشات مثرية، وقد انتهت الحلقة والكل يتمنى أنها لم تنتهِ.

وقد عادتْ بي الذاكرة إلى الثمانينيات قبل ظهور الهاتف المحمول، حيث الاستفادة كبيرة من حلقات العمل والدورات التدريبية، بعكس ما آلت إليه الحال في أيامنا هذه؛ فحتى المقابر عند تشييع الجنازات لم تسلم من هذه العادة، فبينما الغاية من تشييع الجنازات هو أخذ العبر من الموقف والتدبر في مصير الإنسان، وأنَّ كلنا سائرون في هذا الطريق، إلا أننا نلاحظ الواحد يناظر هاتفه ويضحك، وكذلك في مجالس العزاء، وكذا الحال بالنسبة للمساجد، خاصة عند صلاة الجمعة، التب لم تسلم هي الأخرى من شره.

فالناس قد جُنَّت به، وأصبح همها الأول، ناهيكم عن ترويج الشائعات وبث الفتن والمهاترات ونقل الأكاذيب وترويجها. ولا ننكر الجوانب الإيجابية التي أفادتنا منه، لكن الجوانب السلبية طغت بسبب سوء الاستخدام.

ومع تعدُّد وسائل التواصل الاجتماعي -ومنها: الفيسبوك وتويتر والإنستجرام- إلا أنَّ "الواتس آب" قد سحب البساط منها؛ وذلك لسهولة اقتنائه بمجرد امتلاك هاتف ذكي وشريحة اتصال واشتراك بسيط في شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت".

ففي محلات بيع الهواتف أول سؤال يتبادر إلى ذهن المشتري هو إمكانية استخدام "الواتس آب" في الهاتف، مع أن غالبية الهواتف المتوفرة في الأسواق تستقبل خدمة "الواتس آب" وجميع وسائل التواصل الاجتماعي؛ فبعد هذا الاستخدام السيئ.. هل سنشهد في بلداننا قرارا مماثلا لقرار البرازيل؟!

muqbali@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك