ترشيد الإنفاق يبدأ من هنا

حمودالطوقي

أجدني مرة أخرى أعود للكتابة عن التحديّات الحالية التي تواجه اقتصادنا الوطني بسبب تدهور أسعار النفط التي بلغت أدنى مستواها خلال العقدين الماضيين.

من الملاحظ وحسب التحليلات أنّ أسعار النفط في السوق العالميّة ستستمر في النزول ويتطلب منّا أن نواكب هذه المرحلة بمزيد من الشفافية حول وضعنا الاقتصادي الذي يعتمد على هذا المورد (النفط) طوال الحقبة الماضية، حيث تمثل مساهمة النفط في الدخل القومي أكثر من 80% وهذه المساهمة الكبيرة جعلت السلطنة تعيش مرحلة من النماء والازدهار والتنمية رغم أنّ السلطنة تعد من الدول الأقل إنتاجًا على مستوى دول مجلس التعاون.

لدينا موارد أخرى بديلة عن النفط كالسياحة والزراعة والثروة الحيوانيّة والثروة السمكيّة وأيضًا العقول والأدمغة العمانيّة التي تمثل طاقة متجددة قد تكون البديل الحقيقي عن النفط إذا ما تمّت رعايتها وتشجيعها من قبل الحكومة الرشيدة.

هذه العقول للأسف الشديد لم تجد ضالتها هنا، وبحثت عمّن يرعاها ويوفّر لها العوامل الأساسيّة للنمو والازدهار، أعتقد أنّه آن الأوان على الحكومة أن تطرح المُشكلة التي نعانيها بكل شفافية وتطرح البدائل لكي نعمل من أجل تحقيق استثمار هذه البدائل التي قد تكون عونًا لنا في مواجهة هذه الأزمة الشرسة والتي من المتوقع أن تستمر لأعوام قادمة وتؤثر على اقتصادنا الذي يعتمد اعتمادًا كبيرًا على النفط.

تحدثنا كثيرًا وتناول النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي أهميّة ترشيد الإنفاق لمواجهة هذه الأزمة، وطُرحت أفكارٌ قد تكون جديرة بأن يؤخذ بها، وتساهم في التعزيز والمحافظة على المال العام؛ الذي هو الآن في أمس الحاجة للتضحيات، وعلينا أن نبدأ من هنا ترشيد الإنفاق وعلى الكافة؛ حتى يكون التطبيق شاملا ولا يستثني أحدًا من أجل المحافظة على المال العام.

رأينا أنّ الأجهزة الحكوميّة أعلنت ترشيد الإنفاق من خلال تخفيض الموازنة في شراء الاحتياجات كتخفيض بند شراء مستلزمات الضيافة، والاشتراك في بعض الصحف، وغيرها من الإجراءات البسيطة التي لا تؤثر تأثيرًا مباشرًا على الهدف المنشود وبشأن الترشيد المستهدف.

وكما ذكرنا سابقا نتمنى أن يتم الترشيد من أعلى السلم؛ حيث يتنازل أصحاب المعالي الوزراء والمستشارون عن بعض المزايا التي كانت تمنح لهم كالسيّارات والسائقين والمميزات الأخرى التي قد لا نعرفها وهم يعرفونها، وأيضًا التفكير بلغة الأرقام بحيث يتم دمج الوزارات الخدميّة التي تعطي نفس النتيجة بحيث نستفيد من هذا الدمج بتحويلها إلى ممتلكات الحكومة واستغلالها في قطاعات قد تكون مصدر دخل للحكومة بدلا من مصدر إرهاق للمال العام.

أيضًا القطاع الخاص يمكن أن يكون مشاركًا حقيقيًا في مواجهة هذه الأزمة الفتّاكة بحيث يكون واقعيًا في تحديد العطاءات التي تطرحها الحكومة، ويتنافس عليها القطاع الخاص، لذا يجب على القطاع الخاص أن يبتعد عن الأرقام الفلكيّة التي ترهق الموازنة العامة في الدولة لأنّ المناقصات التي تطرح تكون بالملايين وحتى لو كان المشروع لا يتكلف نصف المبلغ في القطاع الخاص يدرك أنّه على مدار السنوات الماضية قد عاش بعطاءات الحكومة الكريمة التي لم تبخل بل كانت تنفق من أجل أن ترى قطاعًا خاصًا يكون شريكًا إستراتيجيًا لأهداف الحكومة من أجل التنمية.

إننا كلنا بوتقة واحدة ننظر إلى مصلحة عمان وعلى هذا الأساس لابد أن تكون إستراتيجيّاتنا مبنيّة على شراكة حقيقية بين ما هو كان وما سيكون.

من المعضلات الحقيقية التي تواجه الحكومة والقطاع الخاص معاً العمالة الوافدة التي أصبحت مصدر قلق للأمن القومي، وهذه العمالة للأسف الشديد تنمو عامًا بعد عام رغم جهود الحكومة للحد منها واختيار العمالة الماهرة التي نتطلع أن تساهم في البناء والتنمية بدلا من العمالة الرخيصة والسائبة التي تضر بالاقتصاد، وتكون عالة على المجتمع، لهذا أناشد القطاع الخاص أن يكون على قدر تحديات هذه المرحلة ويتنازل عن العمالة التي لا يحتاجها، وينهي التعاقد معها وبهذه الطريقة قد لا نحتاج إلى أكثر من 300 إلى 400 ألف عامل، وبهذه الطريقة نكون قد ساهمنا في تقليل وتقليص هذه العمالة التي تؤرق أهداف الحكومة الرامية إلى تنظيم سوق العمل.

ويبقى القول إنّ مقتضيات المرحلة القادمة تتطلب أن نتكاتف جميعًا من أجل مصلحة واحدة وهي أن نرى عمان وقد تجاوزت هذه الأزمة بكل اقتدار ولن يتأتى هذا الهدف إلا بالتعاون من قبل الجميع.

تعليق عبر الفيس بوك