القطاع الخاص والبيئة الجاذبة

حاتم الطائي

مع استفحال أزمة تراجع أسعار النفط، وبوتائر متسارعة أوصلت سعر البرميل إلى أقل من 35 دولارا خلال الأسبوع المنصرم، يتزايد الحديثُ عن البدائل الممكنة لتعويض هذا النقص في المداخيل.. ومن هذه البدائل التي أُشبعت بحثا: إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني والبحث عن إيرادات لرفد الخزينة العامة، والعمل على تنويع القاعدة الاقتصادية والارتقاء بإمكانات العمالة الوطنية.

ورَغْم أنَّ هذا الحديث صارَ في جانب منه معروفًا بَعْض الشيء، إلا أنَّ ثمَّة جوانب -من وجهة نظري- لم تَنلْ نصيبها من البحث والتقصِّي لجهة إمكانية إسهامها إيجابًا في تجاوز الأزمة التي باتتْ تُرخي سُدولها على الاقتصاديات النفطية عموما، واقتصادنا الوطني على وجه الخصوص.

وهنا.. يتبادرُ إلى ذِهْن القراء سؤالٌ موضوعيٌّ عن ماهية هذه الجوانب غير المطروقة.. وأقول: إنَّ القطاعَ الخاص يُمكن أن يلعب دورا محوريا في تلافي إسقاطات الأزمة، والحد من سلبياتها، فيما لو توفَّرت له البيئة المحفِّزة للأعمال، والجاذبة للاستثمارات.

وبقَدْر ما يُمثِّل تراجع أسعار النفط مدعاة للقلق، إلا أنَّ ثمَّة فُرصة للإبداع في إيجاد سياسات اقتصادية، تقوم في جانب منها على تفعيل دور القطاع الخاص في إطار شراكة شاملة، تُطلق له العنانَ ليُبدع في مختلف المجالات والقطاعات الاقتصادية، خاصة وأنَّ بلادنا زاخرة بالفرص الواعدة التي يُمكِن أن تشكِّل إضافة نوعية للاقتصاد الوطني، فيما لو أُتيحت الفرصة للقطاع الخاص ليأخذ زمامَ المبادرة عَبْر تبسيط الإجراءات وتقليص المدة الزمنية اللازمة لإتمامها.

والنهوضُ بالقطاع الخاص يكون إمَّا أفقيًّا أو رأسيًّا؛ فالنمو الأفقي لهذا القطاع يستوجب الزيادة الكمية في أعداد مؤسساته وأفراده. أما التطوير الرأسي، فيقوم على تعزيز قدراته وإمكانياته لتزداد كفاءته، ويصبح رقمًا فاعلًا في معادلة التنمية، وقادرًا على الدخول في شراكة حقيقية مع الحكومة يستطيع بموجبها النهوض بدوره المأمول.

إذن، ماذا يعيق القطاع الخاص لينهض بالأدوار التي أشرنا إليها في صَدْر هذا المقال؟

أولا: أعتقدُ جازمًا -ويشاركني الكثيرُ هذا الرأي- أنَّ بيئة الأعمال السائدة حاليا تشوبها الكثير من المنغِّصات التي تحدُّ من انطلاقة هذا القطاع صَوْب الإسهام الفاعل في اقتصادنا الوطني، وهو ما يحتاج تغييرًا جذريًّا في السياسات والتشريعات المتعلقة بالقطاع، والإسراع في إيجاد حلول للتحديات التي تعترض طريقه؛ كالبيروقراطية وبطء الإجراءات في الحصول على تراخيص العمل المتعدِّدة والمختلفة؛ الأمر الذى يُؤثر بالسلب على بيئة العمل، خاصة عندما تتراكم هذه الممارسات البيروقراطية لتتحوَّل إلى معوقات مزمنة، تُلقي بظلالها القاتمة على بيئة الأعمال، وتنفِّر المستثمرين ورجال الأعمال، وتنعكسُ على الصورة الذهنية لبلادنا فيما يتعلق بجذب الاستثمارات الأجنبية.

ولقد شَهِدنا في هذا الصَّدد -وعلى مدى السنوات الأخيرة- تراجعا في ترتيبنا في مؤشر التنافسية العالمي عامًا بعد عام، وهذا التراجع يُعزى في جانب منه إلى بُطء الإجراءات وعدم مواكبة السياسات التشريعية...وغيرها من عوامل تسبَّبتْ في تراجع تصنيفنا في الكثير من مؤشرات التنافسية.

ورغم هذا التراجع، إلا أنَّنا لم نتبنَّ سياسات أو نقوم بخطوات ملموسة لتحسين بيئة العمل، التي يلزمها الكثير من العمل لإصلاحها لتواكب إيقاع العصر، والاستفادة من الثورة المعلوماتية والمعطيات التقنية التي يُمكنها أن تذلل الكثيرَ من الصعوبات التي تواجه المستثمرين وأصحاب الأعمال.

ومن هُنا يبدأ التخطيط الفعلي لإشراك القطاع الخاص في تنمية الاقتصاد الوطني، والعمل على تجسير الفجوة القائمة بينه وبين الحكومة، بما يُمهِّد لشراكة حقيقية تعود بالخير على الوطن والمواطنين؛ وذلك استنادًا إلى المقومات التي تتوافر عليها السلطنة؛ من: الموقع الإستراتيجي، والقرب من الأسواق الكبرى في آسيا وإفريقيا، والاستقرار السياسي، وما تتمتع به من أمن وأمان.. وهي عوامل رغم أهميتها، إلا أنها لا تكفي لجذب الاستثمارات وتحريك الأعمال إن لم تستطع الحكومة أن تخلق البيئة المحفِّزة للأعمال.

ومن أهم مقتضيات تهيئة البيئة الجاذبة للاستثمار في نظري: تدشين مشروع المحطة الواحدة؛ فهذا الأمر أصبح مُلحًّا وغير قابل للتأجيل؛ بحيث تُنجز في هذه المحطة كل التراخيص المطلوبة من مختلف الجهات المختصة تحت سقف واحد، وضمن جدول زمني مُحدَّد مسبقاً.. خصوصا وأن هناك الكثيرَ من الأمثلة على معاناة القطاع الخاص في أروقة الوزارات ذات العلاقة بأنشطته، وهي جهات تتعدَّد دون أن يكون بينها تنسيق يحدُّ من معاناة المراجعين، وكم من مستثمر استوفى معظم شروط منح الترخيص، ليفاجأ في آخر المطاف بإجراء ليس في الحسبان، يجعله يواصل دورة المراجعة التي قد تستمر لأشهر، دون مراعاة لقيمة الوقت المهدور، وكل هذا يستوجب أن يتصدَّر مشروع المحطة الواحدة الأولويات للعام الجديد.

وعَوْد على بَدْء، نقول: إنَّ القطاع الخاص قادرٌ على الإسهام في مواجهة تحديات المرحلة متى ما توفَّرت له الشروط الموضوعية التي تعينه على ذلك؛ في إطار شراكة حقيقية وفاعلة مع الحكومة، وفي المقابل قد تتسبَّب السياسات غير المواكبة والبيروقراطية في انكماش هذا القطاع الحيوي، مما قد يدفعه للبحث عن بيئات جاذبة في الجوار أو بعيدا عنه.

ويحدونا الأمل في تجاوز التحديات الاقتصادية الماثلة بتضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص، في إطار شراكة مثمرة لا تنفصمُ عراها.

تعليق عبر الفيس بوك