إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد

حميد السعيدي

الأزمة الاقتصادية التي تمرُّ بها بلادنا اليوم، تتطلب منا العمل لمعالجة العديد من القضايا والتحديات التي تواجه التنمية الاقتصادية، وتأتي في مقدمتها الفساد بكافة أشكاله وأنماطه؛ فنحن بحاجة إلى التطوير والإصلاح حتى نتمكن من التقدم للأمام، فشريحة كبيرة من المجتمع يتذمر مما يشاهده من إشكاليات متعددة في معظم المؤسسات الحكومية والخاصة، حتى أصبحت هذه الظاهرة نمطا سائداً بصورة طبيعية في المجتمع؛ الأمر الذي يتطلَّب العمل على مكافحته وتبني إستراتيجية تهدف للقضاء على كافة أشكاله؛ فهناك أمية حتى في تفسير مفهوم الفساد، والذي يعتقده الكثيرون بأنه ينحصر في الفساد المالي وسرقة المال العام، ولكنه هو أكثر عمومية من ذلك ويشمل كل التصرفات والسلوكيات والأفعال التي تخالف فيها الأنظمة والقوانين لتحقيق مصالح شخصية، ويعرف معجم أوكسفورد الإنجليزي الفساد بأنه "انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة"، ويصبح الفساد بمفهومه العام هو التغير من الحالة المثالية إلى حالة دون الحالة المثالية -والكمال لله عز وجل- بمعنى التغير للأسوأ، ويكون هنا ضد الإحسان وضد التحول أو التغير إلى الحالة المثالية.

ويقول الله تعالى في كتابة العزيز "وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا" وتتجلى في هذه الآية الكريمة الرسالة السماوية بتوجيه رباني إلى النهي عن الفساد بكل أشكاله من أجل المحافظة على الخير والأمن والسلام على وجه المعمورة؛ لذا جاء التوجيه الرباني لتحريم الفساد، وتحريم كل ما يحدث الضرر على وجه المعمورة، وكل ما يقوم به الإنسان من ممارسة أفعال أو سلوكيات خاطئة، ويتوافق ذلك مع التوجيه السامي لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم في بداية تأسيس هذه النهضة المباركة، والذي حث في أكثر من خطاب على ضرورة الإخلاص من أجل عُمان "هناك أمر مهم يجب على جميع المسؤولين في حكومتنا أن يجعلوه نصب أعينهم، ألا وهو أنهم جميعا خدم لشعب هذا الوطن العزيز، وعليهم أن يؤدوا هذه الخدمة بكل إخلاص، وأن يتجردوا من جميع الأنانيات، وأن تكون مصلحة الأمة قبل أي مصلحة شخصية؛ إذ إنَّنا لن نقبل العذر ممن يتهاون في أداء واجبه المطلوب منه في خدمة هذا الوطن".

ولأنه لا تزال هناك الكثير من المؤسسات الحكومية لا ترغب في الكشف عن ملفات الفساد بها ولا تبدأ تلك المبادرة الإيجابية بمعالجته، إلا بعد أن تتجرأ الصحافة أو شبكات التواصل الاجتماعي على الكشف عن بعض التجاوزات، وهذه من أكبر التحديات التي تواجه عملية مكافحة الفساد؛ لأننا لا نرغب في إيجاد بوادر للإصلاح من أجل الوطن، لذا فإن الاستراتيجية بحاجة إلى دعم سيادي باعتبار أن القضية تتعلق بمستقبل الوطن، مع ضرورة الاهتمام ببناء منظومة معيارية لقياس مدى نجاح المؤسسات الخدمية في تحقيق الأهداف والغايات الوطنية، ومدى مقدرتها على القيام بواجباتها في خدمة المواطن، وقياس مقدرتها على الالتزام بالأنظمة والقوانين ومكافحة الفساد، فما زالت شريحة كبيرة من المجتمع تشتكي من إشكاليات متعددة في المؤسسات الخدمية؛ تدفع الكثيرين للبحث عن الطرق البديلة للوصول إلى غايتهم.

إلى جانب أننا بحاجة إلى التركيز على تحصين المجتمع العُماني، وإعادة بناء المنظومة القيمية من خلال تبني منهجية تربوية ودينية تسعى للتوغُل الفكري في توجهات المواطنين، والعمل على ترسيخ القيم والمبادئ الإسلامية وتقوية الانتماء الوطني وترسيخ مضامين المواطنة المسؤولة لدى أفراد المجتمع، وتطوير الخطاب الديني ليصبح أكثر مقدرة على التأثير في ذوات الفرد والتغير من توجهاته، وتقوية أركان العقيدة الإسلامية؛ بحيث يدرك أن العبادة قائمة على مجموعة من الأركان التي يتوجب التكامل بينها لتحقيق الرؤية الايمانية في الذات، وهذه لا تقتصر فقط على أداء الفرائض الدينية فقط، وإنماء هو العديد من الجوانب التي يجب أن يلتزم بها، ومنها المسؤولية الوطنية والقيام بواجبه الوطني بإخلاص.

فالوطن بحاجة على مستقبل أكثر اشراقاً، يقوم على الكفاءات الوطنية الشابة، القادرة على بناء نهج جديد في طريق بناء عُمان، من خلال إتاحة الفرصة لهم لإثبات قدراتهم وإمكانياتهم.

Hm.alsaidi2@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك