الطرق المبتكرة لمواجهة التطرُّف العنفي

عبيدلي العبيدلي

حرص الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل على حضور جلسة افتتاح مؤتمر "الطرق المبتكرة لمواجهة التطرف العنفي"، الذي دعا إليه "بيت المستقبل" بالتعاون مع مؤسسة "كونراد أديناور" في فندق "الكومودور" في بيروت.

وفي نطاق معالجته لقضية الإرهاب، شدَّد الجميل -في الكلمة التي افتتح بها المؤتمر- على ثلاث نقاط، اعتبرها محورية في أي مشروع عربي أو دولي يتصدى لظاهرة الإرهاب التي تجتاح المنطقة العربية. وأكد الجميل -وكأنه يخاطب المجتمع الدولي، وليس المشاركين في الندوة- على ضرورة أن "يتزامن ذلك مع المواجهة العسكرية".

وَضَع الجميل "الحوكمة الصالحة"، في أعلى درجات سلم الأولويات، "فنشأة الحركات المتطرفة كانت بسبب غياب الحوكمة الصالحة في بعض الدول. وهي تقتضي الشفافية لمنع الفساد وادارة الدول بشكل حكيم يواكب العصر".

أمَّا القضية الثانية بالنسبة للجميل، فكانت التربية والتعليم، التي تعتبر من وجهة نظره "أساسا في مواجهة العنف السياسي؛ إذ إنَّ غياب ثقافة التسامح واحترام الآخر شكَّلت حاضنة للتطرف، لا سيما في ظل انتشار المدارس الدينية؛ فمن خلال التربية والثقافة يمكن أن نواجه بشكل مباشر التطرف الديني والعنف السياسي".

ويتربَّع الإنماء على كرسي القضية الثالثة لدى الجميل؛ "إذ إنَّ انعدامَ التنمية كان اساسيا في نمو ظاهرة التطرف العنفي". وختم الجميل كلمته بنداء دعا فيه إلى "قيام هيئة دائمة للحوار بين الاديان في ظل ردود الفعل الخجولة للمؤسسات الدينية حيال التطرف الديني".

إثر ذلك، توزَّعت أعمال المؤتمر على أربع جلسات، خصصت الأولى لمناقشة طرق "الوقاية من التطرف العنفي"، في حين خصصت الجلسة الثانية لـ"فهم التطور من منظور نفسي". أما الثالثة، فحاولت تسليط الضوء على كيفية "التعامل مع المتطرفين اساليب قابلة للتطبيق". ختام المؤتمر كانت الجلسة الرابعة التي حملت عنوان "الإرهاب من منظور العالم العربي".

يُمكن القول بأنَّ نقاشات المؤتمر عالجتْ مسألة العنف من مدخلين أساسيين: أفقي كلي، وعمودي جزئي.. فعلى المستوى الأولى تمحورت التشخيصات حول أن العنف -أو بالأحرى موجة الإرهاب التي تجتاح البلاد العربية، وبدأت طلائعها تغزو دولا أخرى- ليس ظاهرة دينية محضة، كما يحلو للمؤسسات الإعلامية الغربية أن تصورها. فهي في الأساس والجوهر محصلة حالة سياسية، ولدتها الأوضاع الدولية السائدة عموما، والعربية منها على وجه التحديد. كما أنَّ المدخل الأمني الذي عُولجت به الظاهرة، والذي تحول هو الآخر -بوعي أو بدون وعي- إلى ممارسات إرهابية ترد على ذلك الإرهاب لم يعد مجديا، وكانت محصلته الفشل الذريع، ومن ثم فالتصدي للظاهرة ينبغي له، إن أريد له النجاح، أن ينطلق من رؤية إستراتيجية متكاملة تصهر الخلفيات سياسية، والمكونات اقتصادية، والمنطلقات اجتماعية في بوتقة واحدة. ودفعت هذه الخلفية المشاركين نحو ضرورة "التأصيل" لفهم هذه الظاهرة عوضا عن الإنجرار وراء معالجات الإعلام الدولي المسطحة لها.

أما على المستوى التفصيلي، فقد انصبَّتْ النقاشات حول جدوى الدراسات الاجتماعية والنفسية المتخصصة، كل منها على حدة في تفسير الظاهرة، وفهم سلوكيات منظماتها وأفرادها على حدٍّ سواء، ومدى قدرة الحلول النفسية/الاجتماعية على وضع حد لها. واستعين في ذلك بمجموعة من الدراسات والإحصاءات الميدانية التي أجرتها بعض الأكاديميات الغربية، سوية مع بعض المراكز المتخصصة، والتي حاولت سبر أغوار نفسيات قيادات مؤسسي التنظيمات الإرهابية، والدوافع التي تقف وراء هذه الزخم الذي ولدته ودفعت بالعشرات من الناس من مختلف الفئات العمرية، والمستويات الاجتماعية، والتخصصات المهنية، والانتماءات العرقية وأغوتهم بالانضمام لصفوفها.

وعلى أرضية هذا الفهم العمودي المرتكز على منصة أفقية، تمَّ تسليط الأضواء على أسباب اندلاع الإرهاب، ومن ثمَّ تمدده السياسي والتنظيمي. فالإرهاب الذي يواجهه العالم اليوم تحول إلى ظاهرة معقدة ومتشابكة تشترك في "بروزها جملة من العوامل والأسباب، حيث تتداخل العوامل الشخصية والنفسية مع الثقافية والسياسية والاقتصادية، لتشكل ظاهرة الإرهاب التي تحقق أهدافها بممارسة العنف والقتل، وتحسم خلافاتها بإلغاء الآخر وإقصائه من الوجود".

وفي خضم النقاشات الساخنة، لفت بعض المشاركين النظر إلى أنَّ الإرهاب غير مقتصر على المذهب السني. ومن هُنا، فلا بد من الانتباه إلى ذلك الإرهاب الذي يمارسه الإسلام السياسي الشيعي، والذي بدأت طلائعه مع انتصار الثورة الخمينية في إيران، وإنه، مهما، كما وصفه أحد المشاركين "تسربل في ألبسة تمويهية"، لكنه لا يزال يمارس أنشطة إرهابية من الخطأ تجاوزها عند وضع خطط التصدي للإرهاب في إطاره العام والشامل.

وكانت المحطة النهائية التي وصلت إليها نقاشات المؤتمر هي طرق المعالجة، وسبل المواجهة. وهنا تعدَّدت الاجتهادات التي في وسعها المساهمة في القضاء على هذه الظاهرة التي تحولت إلى "فزاعة شيطانية تثير الخوف على المستوى الدولي"، ثم عادت فتمحورت حول نقاط مركزية تدعو إلى: ضرورة تحديد دقيق للأسباب الكامنة وراء نشوء الإرهاب؛ ففي غياب هذا التحديد، تتحول المواجهة إلى عمليات عشوائية تأخذ شكل ردود فعل عفوية متناثرة، وأحيانا انتقامية، تنتهي إلى نتائج مبعثرة، بدلا من أن تكون خططا مدروسة، ومتقنة، تتحاشى الحلول التي تحاول القفز على الواقع، أو تبحث عن حلول مخدرة مؤقتة. وأجمع المشاركون على رفض الحلول الأمنية المحضة، وفي مقدمتها تلك التي تدعو إلى محاربة الإرهاب بالاعتماد على، خطط تأخذ بأساليب الاختراق عبر زج عملاء سريين في صفوف المجموعات الإرهابية للحصول على المعلومات الخاصة بخطط قوى الإرهاب وأهدافها ومصادر تمويلها، لأنه من غير المفيد، بل ربما من المضر محاربة الإرهاب عن طريق الخطط الأمنية، مهما بلغ مستواها الفني، وكفاءة نظمها الإدارية، ومهارة فرقها الفردية.

قضية في غاية الأهمية أثارتها نقاشات المشاركين كانت ضرورة عدم عقد مثل هذه الفعاليات المهمة، دون مشاركة ممثلين عن المنظمات الإرهابية، أو من هم على التصاق بهم؛ لأنه من خلال ذلك يمكن التعرف عن قرب على الذهنية التي تؤصل لهذه الظاهرة، والدوافع التي تقف وراءها، والأهداف الحقيقية التي تسعى لنيلها.

تعليق عبر الفيس بوك