ما خلف الفكرة

مريم العدوية

لا ريب أن الشعارات التي تنادي بنمط الحياة الصحية كثيرة، فمنها: ما يشدد على خطورة التدخين وأخرى تسلط الضوء على أهمية الرياضة. وبين كل تلك العادات الجيدة والسيئة التي نمارسها في الخفاء والعلن تندس أفكارنا التي تشكل خط سير حياتنا فيما بعد. إن الأفكار أيّا كانت قادرة على فعل الكثير بل هي القاتل أو المحيي الصامت. كيف لا؟ والفكرة توغل في العمق من النفس البشرية وتؤدي بدورها إلى تصرفات المرء التي تتكرر وتصبح عادات مع الوقت، ومن ثم تشكل نمط حياته الذي قد يأخذه إلى قمم الجنان أو يودي به إلى سحيق النيران.

لذا على المرء ألا يتهاون أبداً عندما يتعلق الأمر بأفكاره، وليتوخى الحذر من الأفكار السلبية، التي تهدم كل جميل في حياته وتلبسه النظارة السوداء، حاجبة عنه كل جميل في حياته. فيرى كل حياته ظلاماً حالكاً وليلاً سرمدياً، ويغفل عن هدايا القدر وما يخبئهُ الله من أشياء جميلة تأتي بعد الصبر ولو بعد حين.

كما إن الأفكار السلبية قادرة على الثبات والرسوخ والتكاثر بصورة مفزعة؛ فهي سرعان ما تجرف صاحبها إلى جُب عميق لا قرار له. فحالما توقعه في شراكها تنهكه بافتراسها ولا تأبه بضعفه ولا قلة درايته بها.

إن الأفكار السلبية والسوداوية لا تقل ضرراً وخطورة عن التدخين وما سواه من عادات موغلة في الهلاك؛ فهي مثلها تماماً قادرة على إنهاء حياة الفرد بمأساوية فاجعة. ولكن المرء قد يتهاون بها ويمارسها وكأنها شيئا عاديا ومن ثم يعتاد عليها وتصبح جزءا من شخصيته، وهنا تصبغه بسماتها من بؤس وقنوط ويأس وحزن. وبينما هو يبحث عن دواء لعلة ما به سيجهل بأن الداء يكمن في فكرة سلبية سمح لها ذات يوم بالعربدة في دماغه! ومن جانب آخر نجد أن التفكير الإيجابي يمنح الإنسان الكثير من الثمار الطيبة التي ستظل تغدق عليه من خيرها طيلة حياته، بل وحتى بعد مماته ستمنحه أثراً طيباً فيذكر الناس بشاشة ابتسامته وحسن معشره وطيب حديثه. فالأفكار الإيجابية تماماً كالأشجار المثمرة، طيبة الثمار، تمنح صاحبها صبراً عند الشدائد وتأنيا في المواقف وحسن ظن يريح البال والخاطر وبشاشة تجمل وجه صاحبها والكثير من الخصال الطيبة.

والإسلام حمل دائماً عبر صفحاته المشرقة توجيهاً وهدياً سامياً نحو الأفكار الإيجابية ونشرها، فهو الذي يحث "أن بشروا ولا تنفروا" وأن "تفاءلوا بالخير تجدوه" وتفاءل بما تهوى يكن.

إن التفاؤل والأمل كالبلسم على الجرح يطبب النفس ويرفع عنها كدر الأيام ودوائر الزمن، كما إنه يمنح الحياة نوراً وجمالاً؛ فبه يقوى المرء على مجابهة كل صعاب الحياة متوكلاً على الله ومحسنا الظن في رجاه بخالقه. لا حسن ولا كدر يشوب أيامه. وكله ثقة بأن القادم أجمل.

وليس من السهل على المرء أن يتقن التفكير الإيجابي في يوم وليله، بل لعلّ الأمر يصعب عليه في البداية حتى ليظن أن يستحيل عليه، وهذا أمر طبيعي عليه وقد اعتاد الجانب المظلم من التفكير. ولكن مع الحزم والعزم وتقوية عُرى النفس والنية التي يسلحها الثبات والمضي نحو الأفضل بإمكان المرء مع مرور الوقت أن يعتاد أسلوب ونهج التفكير الإيجابي في حياته.

ولذا عليه أولاً طرد كل فكرة سلبية تراوده وإبدالها بفكرة طيبة، متذكراً دائماً بأن رأسه أثمن من أن تلوثه الأفكار السوداء، وليتخيل الأفكار السوداء كالثعابين فهي ماكرة ومخادعة وإن تعامل معها حيناً فلا يمكن له أن يأمن مكرها.

وليسترجع باستمرار سجل يومه ويتذكر الأحداث ويركز على الأفكار محاولا فهمها وتصنيفها وليتأمل فعل كل من الأفكار السلبية والإيجابية في مزاجه ويومه، ومن ثم يقرر أي طريق يحب أن يسلك.

في الحياة الخيارات عدة وهي متاحة وفيما يتعلق بمثل هذه العادات وأنماط الحياة المتبعة فهي حق للجميع بكل تأكيد؛ فلا حاجة لمال ولا وضع معين ليستحقها المرء، ولكنّها في المقابل لا تأتي من عبث وإنما من إرادة قوية بتحسين الحياة والبحث عن الإمكانيات الأفضل. فإن كنت واحداً من أولئك الذين يتذمرون ويخلقون العوائق التي تحول بينهم وبين الرياضة والتغذية الصحية مثلاً من أجل تحسين نمط حياتهم، فلتعلم بأنّ التفكير الإيجابي لا يكلف شيئاً ولا يعوقه شيئا سواك.

تعليق عبر الفيس بوك