ما هي التزاماتنا إزاء اتفاقيَّة تغيُّر المناخ؟

علي بن كفيتان بيت سعيد

بعد مَخَاض عسير، اتَّفق وزراء البيئة في العالم على صيغة نهائية مكونة من 30 ورقة لاتفاقية تغير المناخ العالمي، المنعقدة منذ أسبوع في باريس، ويتضح من النص الأخير أن المجتمعين اتفقوا على البدء بالإجراءات التنفيذية بعد خمس سنوات (2020)، والهدف هو الإبقاء على سقف الدرجتين المئويتين لحرارة الأرض حتى عام 2050.

ما يهمنا نحن في السلطنة هو معرفة ما هي التزاماتنا، وكيف نعمل على تنفيذها بحلول تلك الآجال. ولا شك أنَّ وزارة البيئة والشؤون المناخية كنقطة ارتباط للاتفاقية ليست هي المعنية بالتنفيذ وحدها مثلما يعتقد كثيرون؛ بل هناك نطاق واسع من الشركاء يجب أن يتكاتفوا في هذا الشأن.

إنَّ وقوعَ السلطنة في واجهة الدول المتوقع تأثرها بتغيرات المناخ العالمي يجعل لزامًا علينا الوعي بهذه القضية، والتعامل معها بكل جدية وشفافية؛ فتدفق الأعاصير المدارية والعواصف الاستوائية وموجات الجفاف على أراضي السلطنة بشكل أصبح شبه منتظم، مخلِّفة وراءها آثارا لا يمكن تجاهلها في البنية الأساسية التي استنزفت خزينة الدولة لما يقارب نصف قرن، ناهيك عن فقدان الأنواع النباتية والحيوانية التي تعتبر جزءا من الإرث الطبيعي للسلطنة؛ كل ذلك يجعل الصورة أكثر ضبابية سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي في ظل عدم وضوح سياسة التعامل مع هذه الظاهرة الكونية في السلطنة.

لقد صادقتْ السلطنة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغيُّر المناخ منذ العام 1994 بموجب المرسوم السلطاني رقم (119/1994)، كما صادقت على بروتوكول كيونو الملحق بالاتفاقية عام 2004 بموجب المرسوم السلطاني رقم (107/2004)؛ مما يعني أنَّ حكومة السلطنة ملتزمة بما صادقت عليه في هذا الإطار أمام المجتمع الدولي وأمام مواطنيها.

وفي هذه النافذة، سنتطرق لعدد من الالتزامات المتعلقة بهذه الاتفاقية المطلوب الإيفاء بها بحلول العام 2020 كسقف اتفقت عليه معظم الدول المنضوية في هذه الاتفاقية للبدء في تنفيذ أجندة المناخ (2020-2050)، مع التركيز على ما يعنينا في السلطنة بشكل مباشر كدولة تصنف ضمن الدول النامية كالتالي:

- الالتزام الأول: إعداد برامج وطنية وإقليمية فعالة لتحسين نوعية الانبعاثات المحلية. لا شك أنَّ هذه البرامج معدة كنوع من الالتزام الورقي فقط، ولكنها تفتقد للفاعلية، وهذا الالتزام شرط صفة الفعالية؛ مما يعني أنها يجب أن تكون برامج معلنة ومراجعة بشكل دقيق من الجهات المختصة بما فيها مجلس الشورى وقابلة للتنفيذ والقياس، وأعتقد -ولست جازما- أنَّ هذا الالتزام بحاجة لمراجعة جادة.

- الالتزام الثاني: إعداد خطة للتدابير الواجب اتباعها لتخفيف آثار تغيُّر المناخ لتسهيل عمليات التكيف مع تلك التغيرات لجميع القطاعات كالطاقة والنقل والصناعة والزراعة والبيئة وإدارة النفايات. بما أنَّ هذه الظاهرة الكونية أصبحت واقعة ونحن في السلطنة نعيشها بشكل ملموس فإنَّ تدابير التكيف أصبحت واجبة، ومع ذلك نرى -على سبيل المثال لا الحصر- أنَّ مواصفات الطرق لم تتغير، وأن تخطيط المدن لم يتغير؛ حيث تغرق القرى والمدن والمستشفيات في الفيضانات، وتذهب كل الملايين التي أُنفقت على تلك المشاريع لنطالع إعلانا في الصحف بعد الحدث عن مناقصة لإعادة رصف نفس الطريق المتضرر وصيانة نفس المستشفى الذي غرق بملايين أخري وعلى نفس المواصفات. هنا يلوح تساؤل: ما هو دور مجلس التخطيط الأعلى لمعالجة هذا الأمر؟ وفي الجانب البيئي، أشار هذا الالتزام -وبجلاء- لتأهيل المناطق المتضررة بالجفاف والتصحر والفيضانات، ولا أعتقد أنَّ هذا الجانب نال حظه منا في السلطنة باستثناء مشاريع خجولة شاب تنفيذها الكثير من الأخطاء؛ مثل: مشروع تخفيض قطيع الإبل في جبال ظفار. أمَّا المساحات التي تم استزراعها أو حمايتها للموارد الوراثية النباتية، فلا تتعدى الـ1% من الأراضي الواجب حمايتها وإدارتها بشكل مستدام.

- الالتزام الثالث: تطوير ونشر التكنولوجيا الصديقة للبيئة وتشجيع تمويلها. في الحقيقة هذا الالتزام أصبح واقعًا في مؤتمر باريس؛ من خلال ما يُعرف بتحالف القفزة النوعية للطاقة، الذي تناولناه في مقال سابق، ولكن هل نحن في السلطنة منظمون بما فيه الكفاية لهذا الالتزام؟! ربما يُجيبني أحد بـ"نعم"، ولكن كيف؟ وماذا تحقق على أرض الواقع إذا ما استثنينا مشروع توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في ولاية المزيونة الممول من الهيئة العامة للكهرباء والمياه الذي تصل طاقته إلى 303 كيلوواط فقط؟!

- الالتزام الرابع: بَذْل مزيدٍ من الجهد في مجال البحث العلمي التقني وتطوير أنظمة الرصد بشأن تغير المناخ. إنَّ مجلسَ البحث العلمي يبذل جهودا حثيثة في هذا المجال، وحسب اطلاعي المتواضع فإنَّ المجلس يمنح الأولوية لدراسات الطاقة المتجددة، ولا شك أنَّ هذا أمر يوحي بالتفاؤل إذا قُرِن بإنشاء مراكز متخصصة للأبحاث في مجال تغير المناخ والدراسات البيئية. أما في شأن تطوير أنظمة الرصد، فإنَّ الأمر بات مُلحًّا ويتطلب إنشاء شبكة للرصد والتنبؤ عالية الجودة، ولا يتم الاكتفاء ببث مسارات الأعاصير والعواصف عبر مركز التنبؤات الهندي، ولا أبالغ إذا طالبنا بإنشاء مركز تنبؤات عالمي في السلطنة يدمج فيه المركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة، وقد يُموَّل هذا المركز من جهات داعمة إقليمية ودولية.

- الالتزام الخامس: تعزيز الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية عن طريق حماية الكتلة الحيوية والغابات والمحيطات والنظم البيئية المختلفة لكل دولة. وفي هذا المجال، نرى أنَّ هناك تجاهلا مباشرا للموارد الطبيعية في السلطنة؛ حيث لا توجد إدارة مستدامة للموارد الغابية والرعوية إلا على الورق؛ فقانون المراعي وإدارة الثروة الحيوانية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (8/2003) الذي يُنظِّم هذا القطاع الحيوي موضوع على الرف منذ إصداره. والأمر لا يختلف كثيرا في بقية القوانين المتعلقة بالإدارة المستدامة للموارد الطبيعية في السلطنة.

وختاما.. ما أودُّ الإشارة إليه في هذا المقال هو أنني اخترتُ الالتزامات الخمسة ذات العلاقة المباشرة بنا في السلطنة من منظوري الشخصي، وقد تختلف قراءات كل شخص لهذه الالتزامات وفق رؤيته، ويبقى التساؤل: هل -ووفقا لهذا المنظور- نحن ماضون قدما في الإيفاء بالتزاماتنا لهذه الاتفاقية التي صادقتْ عليها السلطنة مع ملحقها المعروف بـ"بروتكول كيوتو"؟ والتساؤل الأهم: هل وفَّيْنَا التزامنا لوطننا في مجال التكيف مع تغير المناخ الذي بات يطل علينا برأسه الشاحب من المحيط الواسع؟ سأترك الإجابة لكم... حفظ الله عمان وحفظ قابوس.

alikafetan@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك