الشاعر سالم الكلباني: يدرك قيمة النهضة التي تشهدها السلطنة في عهد جلالته كل من عاش قبل الـ70

ألقى قصيدة النصر يوم إعلان انتهاء مرحلة العمليات العسكرية في ظفار

عبري - ناصر العبري

قال الشاعرُ سالم بن علي الكلباني إنَّ النهضة المباركة التي قادها مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم -حفظه الله ورعاه- عمَّت كلَّ شبر من أرض عمان، وبسطت مظلة الأمن والأمان، ونشرت خدمات التعليم والصحة، ووسَّعت شبكة الطرق حتى بلغت السهل والجبل لضمان تحقيق العيش الرغيد لكل مواطن ومقيم.. مضيفا بأنَّ طبيعة الحياة في السلطنة قبل إشراقة النهضة كانت قاسية نسبيا، وهو ما يدركه كل من استمع إلى حكايات الآباء والأجداد عن الماضي البعيد أو القريب وعن المعاناة في زمن الشظف.

وقال الكلباني في حواره لـ"الرُّؤية": أدركتُ سنوات من الحياة قبل النهضة المباركة، فقد كانت ولادتي في قرية مسكن بولاية عبري، وهي تربط بين محافظتي الباطنة والظاهرة، وكانت طريق القوافل التي تمرُّ بين عبري والخابورة، أو بين الباطنة والظاهرة، وكانت هناك طريق تسمى القنطرة، وكان لابد للقوافل أن تمر من تلك القنطرة، وهناك وادي يسمى وادي الكبير لكنَّ الأهالي لا يسمحون للقوافل بالعبور في الوادي لأسباب أمنية فقد كان الأمن غير مضمون في ذلك الزمان، وكانوا يخشون من بعض المهربين أو قُطَّاع الطرق ومن تسول لهم أنفسهم الخروج عن المسار من خلال المرور عبر طريق الوادي، وفي حال مر شخص عن طريق الوادي دون المرور عن طريق القنطرة المتعارف عليه يصيح صائح مستنفرا أهالي القرية إلى جانب إطلاق النار لتنبيه الأهالي بوجود خطر لمواجهة المتسللين.

وعن مستوى المعيشة في تلك المرحلة، قال الشاعر سالم الكلباني: إنَّ كلَّ المواد الاستهلاكية من المواد الغذائية كانت تزرع محليًّا فيما عدا بعض المعلبات التي لا تذكر ولم تكن لها أهمية في ذلك الزمان، ورغم ذلك كان الناس على طبيعتهم عفويين من حيث التعامل والتقارب والتواصل والترحاب بالآخرين والحمد لله كانت الحياة شبه بدائية وكانت القلوب متقاربة.

وأوْضَح الكلباني أنه لم تكن هناك شهادات ميلاد ولكنها تسجل بالأحداث، ويفيد الوالد والأهل والقرائن أني ولت سنة 1956م، وكان الوالد هو المعلم في القرية، ولما بلغت السن المناسبة أدخلني والدي المدرسة مع زملاء كانوا أكبر مني سنا واذكر منهم المفتش العام الأسبق معالي الفريق أول متقاعد سعيد بن راشد الكلباني، واللواء علي بن راشد الكلباني قائد الجيش السلطاني العماني الأسبق، والمرحوم الفريق خميس بن حميد بن سالم الكلباني، وكثير من قادة الجيش تعلموا في مدرسة الوالد -رحمه الله- قراءة القرآن الكريم وكنت أصغرهم سننا وهم التحقوا بالقوات المسلحة قبلي بسنوات، وفيما بعد التحقت أنا أيضا بالقوات المسلحة.

وحول بدايات تعلق سالم بن علي الكلباني بالشعر، قال: إنَّ الفضل لوالدي هو الذي غرس حب الشعر في نفسي، وكان مطلعا على العلوم العربية والآداب والقصص القديمة وكان الناس في ذلك الوقت يتهافتون على من يعلمهم أو يقص عليهم حكايات من التاريخ ومن ينشد الأشعار وكان الوالد يحفظ الكثير من الأشعار والقصص من الأدب العربي القديم وقد كان الناس في ذلك الزمان بلا وسائل الإعلام مثل التليفزيون أو الإذاعة أو الصحف. وكان الوالد بمثابة المعلم ورجل الشرع والدين في القرية. وكانت مساكن البدو القريبة من البلد يعتمدون على حضور الوالد في العزائم والولائم في الأفراح والأتراح، وكنت في فترة الطفولة والصبا أصحب الوالد في هذه الزيارات للمناطق والفرقان مع أهل السيح وأصحاب الماشية، وكان الوالد يرتاح لهم وفي المساء يفرش بساط أو سيحة من صوف الماعز، ويتحلق الناس من حوله ليستمعوا إلى القصص والأشعار من الوالد وكان والدي يشجعني على أن أقول الشعر.

وعن أول قصيدة قالها سالم بن علي الكلباني، قال الكلباني: ضاعت الكثير من قصائدي في تنقلاتي خلال فترة الحياة العسكرية؛ ومنها قصيدة سجلت فيها رحلتنا في السبعينيات من معسكر نزوى إلى صلالة.. وأضاف: كثيرا ما تأثرت بمن قرأت لهم وعنهم، وفي قريتنا لم يكن متاحا الكثير من الكتب ولم يكن الحصول عليها بالأمر الهين وكان ديوان المتنبي موجود معي وديوان السيف النقال وكانت دواوين حماسية معظمها كما كانت عندي دواوين في العنترة والزير سالم وعندي دواوين الشعراء الستة الذي جمعوا في ديوان واحد.

وحول الجيل الحالي من الشعراء، قال سالم الكلباني إنه بحر متلاطم من الشعراء الحداثيين ويمكن القول إن بعض الشعراء الجدد أساؤوا إلى الشعر وتاريخه لأنهم لا يعرفون التصرف والتخاطب حتى صار تافها في صياغته، لكن يبقى الجيد جيد ويبقى الشعر العمودي العربي الأصيل هو تاريخنا، أما قصيدة النثر فحتى الآن لم أستوعبها.

وحول مشاركاته الخارجية، قال الكلباني: شاركتُ في تونس في مُنتصف الثمانينيات بعكاظية الحبيب بورقيبه، وكنت الوحيد من السلطنة وكانت مشاركة فاعلة، كما شاركت في عدة مهرجانات في المملكة العربية السعودية والأردن وجمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومشاركات في القمة الخليجية. أما فيما يتعلق بطباعة ديوان لأعمالي، فأنا للأسف متهاون وضعيف الهمة؛ فحتى الآن لم أصدر سوى قصيدة "شريعة الزواج" وهي قصيدة مطولة وطبعت في مكتب مستشار جلالة السلطان في فترة الثمانينيات.

وعن ذكريات الكلباني حول المنطقة الجنوبية في ظفار، قال إنها كانت ذكريات جميلة رغم أنها متعبة فقد كانت الحرب على أشدها والحمد لله تجاوزنا تلك المحنة، وكانت ذكرياتي التي لا تزال محفورة في ذهني هي ذكرياتي مع زملائي الجنود والأصدقاء هناك في تلك المنطقة وكانت الحياة شاقة والوضع متعب لكن كان يهون علينا أن نجد إخوان وأصدقاء نعتز بهم ونتقاسم حتى شربة الماء والخبز، أما عن ذكريات الحرب فهي تحتاج إلى مجلدات لنسردها.

واستعرضَ الكلباني بعضَ ذكرياته عن مرحلة الحرب بقوله: من المعارك الصعبة التي مرت علينا معركة شرشيتي وكانت ثلاثة أيام متواصلة؛ حتى إنَّ بعض القذائف لم نكن نتوقعها، فمن الممكن أن تتوضأ للصلاة أو تتناول وجبة غداء وحين الغفلة تأتي القذيفة، لافتا إلى أن بعض الجنود كانوا يخطئون في توجيه المدافع ناحية الإحداثيات المتفق عليها.

وعن العمل في الحرس السلطاني، قال الكلباني: بعد رجوعنا من ظفار سنة 1975م وصلنا معسكر نزوى وخلال تلك الأيام زار المقام السامي مولانا المعظم الكتيبة لكي يشد من أزر الجنود، وأمر مولانا بنقلي في تلك الزيارة وبعد نحو شهرين أراد مولانا أن يعلن للمواطنين انتهاء الحرب في ظفار، وأعلن عن مسيرات فرح بهذه المناسبة في كل أنحاء السلطنة تجتمع في استاد الشرطة في الوطية، وحضر جمع غفير للاستماع إلى الخطاب السامي، وأتيحت لي الفرصة أن ألقي قصيدة النصر ومطلعها "الله أكبر يوم النصر قد طلع وأشرق الحق في الأفاق وارتفع". وأعلن يومها مولانا في الخطاب السامي انتهاء الحرب في المنطقة الجنوبية معتبرا يوم 11 ديسمبر من كل عام يوما للقوات المسلحة.

ويذكر أن سالم بن علي بن سالم الكلباني حَصَل على عدة أوسمة عسكرية؛ منها: وسام الخدمة الممتازة، ووسام العمليات الحربية، ووسام الصمود، ووسام حفظ السلام، وعلى ميدالية الشباب في الشعر 1983م، والمركز الأول في ثلاث مسابقات متتالية على مستوى السلطنة، وفي مسابقة المنتدى الأدبي 1990م، كما فاز نشيده لعام الصناعة بالمركز الأول 1991م.

تعليق عبر الفيس بوك