"مؤتمر التطرّف الفكري" يسبر دوافع اللجوء إلى العنف تحت غطاء الدّين ويبرز مآلات الظرف الراهن على الأمّة

جلسات حواريّة وأوراق عمل بحثيّة تناقش "الثنائيات الدمويّة" وتأثيراتها على مستقبل الإنسانيّة

الرؤية - محمد قنات

انطلقت أمس أعمال مؤتمر "التطرف الفكري ومدى تأثيره على المجتمع العربي"، وذلك بمقر الجمعيّة العمانية للكتّاب والأدباء بمرتفعات المطار.

ويتناول المؤتمر 3 محاور رئيسية؛ الأول بعنوان "إشكالية العنف في النص الديني" ويقدمه الدكتور خالد بن سعيد المشرفي، أمّا المحور الثاني فيأتي بعنوان "أوجه التعصب في المجتمع العربي.. العلماني والمذهبي أنموذجا"، ويقدمه الدكتور حيدر حب الله، فيما يقدم الباحث معن بشور المحور الثالث بعنوان "الفكر العربي بين السياق القومي والتطلع العالمي"، فيما يدير الجلسة الكاتب والشاعر عوض اللويهي.

وتضمنت أعمال المؤتمر أمس جلستين صباحية ومسائية. وفي الجلسة الصباحية، بدأ حفل الافتتاح بكلمة للكاتب والباحث خميس بن راشد العدوي رئيس الجمعية العمانيّة للكتاب والأدباء والتي بيّن فيها أهميّة هذا المؤتمر الذي يجمع نخبا من الكتاب والأدباء العمانيين والعرب، مثمنا الدور الذي يقومون به في تفعيل الحراك الفكري على الصعيد المحلي والعربي، مشيرا إلى ما تقوم به الجمعية العمانية للكتاب والأدباء من أعمال مقربة لوجهات النظر رغم اختلافها بين الأطياف الأدبية.

وألقى رضا رجب كلمة المشاركين في هذا المؤتمر، حيث أشار فيها إلى دور الجمعية العمانية للكتاب والأدباء واستضافتها لهذا المؤتمر في هذا الوقت الاستثنائي العصيب التي تمر به المنطقة، آملا أن تساهم مخرجاته في إخراج الواقع الحالي من الليل الطويل حسب قوله، مشيرا إلى ما تمر به الأمة من محنة كبرى فيما يتعلق بالنسخ واللصق لتجارب الآخرين، والعمل على الخروج من هذا المأزق، حيث الحاجة إلى عقول فذة تخوض تجارب التأسيس لنهضة تمثل تجربة واعية وإيجاد نتيجة مختلفة.

إلى ذلك، انطلقت أعمال الجلسة الأولى والتي تضمّنت عددًا من المحاور من بينها محور "الفكر العربي.. التعريف والمصادر والمعضلات"، وقدمه الدكتور خالد محمد عبده، وتطرق إلى التطرف ومعناه، والفرق بين الشخص المتطرف والشخص المعتدل، مشيرًا إلى أنّ التطرف نوعان؛ إذ يتعدى لدى المتطرفين بممارسة العنف، لكن الغلو هو الذي يثير المشاكل، فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم حين دافع عن معتقداته كانت وحياّ يوحى إليه، أمّا المتطرف ليس مصطفى ولا ينفذ أمر السماء، وإنّما يستند إلى رأي فلان أو فتوى علان. ولفت عبده إلى أنّ المتطرفين يعبدون ربًا مختلفا، كما أنّ فقههم مزعوم ومصطنع لم تدرك أفهامهم ما في بطون التراث، والفقه عند اللغويين يعني الفهم وآلة الفهم لديهم معطلة، والمفهومات التي ارتكز عليها التطرف أهمها مفهوم التكفير، وهو محنة حقيقية نعاني منها في مجتمعاتنا. وقال إنّ ما يحدث في المنطقة والعالم يصور الإسلام "همجيا"، مشيرا إلى أنّ للإعلام دورًا رئيسيًا في ذلك؛ حيث تقوم بعض الوسائل بازدراء وتحقير التديّن. وفي نهاية المحور، ناقش الدكتور خالد مسألة الجهاد، مؤكدا أنّ هناك الكثير من المسائل تغيّرت مع تغيّر الزمن ولا يمكن أن تقاس كما كانت عليه، وأن الإنسان يجب أنّ يحارب لدحر العدوان وفي حالة الدفاع عن النفس.

وقدم الباحث بدر بن سالم العبري محور "فكرنا الإسلامي والقيم الإنسانية.. النظرية والواقع"، وتطرّق من خلاله إلى عدد من التساؤلات التي تدور حول ماهيّة الفكر والقيم والتّطرف والعلاقة بينهم، وتلخص هذا المحور في نقاط عدة؛ وهي ضرورة الرّجوع إلى القيم المشتركة، ومحاولة النّظر إليها من جديد بعيدا عن الاسقاطات التأريخية والتّفسيريّة المصاحبة لها، كما توجد علاقة كبيرة بين القيم والشّراكة الإنسانيّة، وبه يتبين لنا ضرورة تفعيل هذه القيم لتحقيق هذه الشّراكة، وأنّ القيم حق مشاع بين البشر، مشيرا إلى أنّه نتيجة لغياب القيم أو فهمها فهمًا سلبيًا، كان لها النتائج السّلبيّة ومنه التّطرف، كما توجد علاقة طردية بين القيم والتّطرف، فزيادة التّطرف دليل على غياب القيم أو ضبابية تفسيرها. أدار هذه الجلسة الدكتور علي الريامي.

فيما شهدت الجلسة المسائية الثانية تقديم 3 محاور؛ الأول "ظاهرة العنف في المجتمع العربي"، وقدمه الباحث رضا رجب، حيث أوضح ضرورة السعي لإبطال صواعق زعماء الحركات الإرهابية أو ممن يقومون بإشعال الُّنفوس بالعداء والتناحر، كما ينبغي تجريدهم من منابر الدين والسياسة مع إيجاد الرادع القانوني المجرَّم لمثل هذه التصرفات، مع تمكين أصوات رجال الدين المعتدلين. وأشار إلى أنّ الأمة بحاجة إلى صياغة مشروع وطني سلمي جامع وعابر للطوائف والمذاهب والأعراق، والعمل على إعادة بناء المثل العليا للأمة لتكون مرجعيّة جامعة مشتركة، نستنبطها من عقيدة هذه الأمة وقيمها لتكون القالب الذي يقود المسيرة في الحاضر مع إيجاد مراجعة شاملة للموروث الثقافي بتمحيص التراث الذي تعرض لضربات قاتلة، مشيرًا أيضًا إلى أنّ العالم اليوم أمام مرحلة في غاية الخطورة أقل ما يقال عنها أنّها نكبة، ليس لها مثيل في تاريخ الإسلام منذ البعثة المحمديّة.

وتناول المحور الثاني "العلاقة بين البنية الفكرية والبنية الاجتماعية في عمان"، وقدمه الدكتور زكريا المحرمي. وتطرّق المحرمي إلى المؤشر العالمي للإرهاب الصادر في نهاية نوفمبر 2015 عن معهد الاقتصاد والسلام؛ حيث اعتبر السلطنة دولة خالية من الإرهاب، إلى جانب تقارير أخرى تؤكد عدم اشتراك أي مواطن عماني في أي من التنظيمات الإرهابية الدولية مع عدم دخول الدولة العمانية في أي حرب أهلية في المنطقة، بل ومبادرتها في تقريب وجهات النظر بين المختلفين وتسهيل المفاوضات بين المتصارعين، كما هو الحال في الملف النووي الإيراني والصراع في اليمن. وذهب الدكتور المحرمي إلى إبراز هذه الظاهرة العمانيّة الفريدة حيث قدّم البعض إجابات سريعة لا تعطي صورة دقيقة عن أبعاد هذه الظاهرة. وقال المحرمي إنّه عند دراسة تكوين العقل العماني لابد للباحث أن ينطلق من دراسة الجغرافيا والمناخ والأصول العرقية والأصول الدينية والتاريخ السياسي والاجتماعي؛ حيث تؤثر هذه العوامل منفردة بشكل مباشر في صناعة الثقافة العمانية وتؤثر مجتمعة بشكل غير مباشر في صياغة الوعي المجتمعي، وبالتالي في بروز ملامح ما يمكن تسميته بـ"الشخصيّة العمانية".

وتناول الدكتور مصطفى بن تمسك، المحور الثالث الذي حمل عنوان "الفكر العربي والعلاقة بالمتغير السياسي"، حيث تطرق إلى التطرف باعتباره ظاهرة مركبة، وليست بسيطة، ويحتاج تفكيكها إلى الإحاطة بدواعيها وحواضنها وتداعياتها. التطرف ليس بالضرورة دينيا أو عقائديا، بل قد يَطال كل مناحي الحياة، ولا سيما السياسية والاقتصادية والاجتماعيّة وحتى الرياضية. وأكد أنّ التطرف الديني لا يقتصر على دين بعينه، بل هناك متطرفون من أتباع كل الديانات السماوية والوضعية، ومن أتباع كل الإيديولوجيات، فهناك متطرفون يهود، ومتطرفون نصارى، ومتطرفون هندوس، ومتطرفون علمانيون، ومتطرفون ملحدون ومتطرفون مسلمون.

وفي المحور ذاته أشار بن تمسك إلى أنّ خطاب التطرف الديني اقترن على مر التاريخ بالعنف السياسي اقترانًا سببيًا، وظهرت علاماته بشكل مبكر جدا ومنذ اللحظات الأولى لتأسيس "الخلافة الإسلامية"، في صورة الصراع المميت بين الملل والنحل الإسلامية، والتي انتهت بمقتل ثلاثة خلفاء: عمر وعثمان وعلي، لأسباب يتداخل فيها التطرف الديني بالعنف السياسي.

وتابع أنّه من المستغرب استمرار حالة الاحتقان الديني- السياسي إلى يومنا الحاضر، فيما نراه من تنوع التعبيرات الدينية المتطرفة وامتهانها العنف السياسي وسيلة لإثبات وجودها، والتعبير عن هويتها.

ويرى أنّ أسباب استمرار "الفتنة الكبرى" وتنوع أشكال حضورها في حياتنا، يعود إلى عدم قدرتنا على حل مشكلات الفصل والوصل بين الإلهي والإنساني، أو بين المقدس والوضعي. وفي نهاية المحور، طرح بن تمسك عدة تساؤلات متمنيا الإجابة عليها تتمثل في ماهية حدود التماس بين الشأن الديني والشأن الدنيوي؟ وكيف نحفظ للدين قداسته بعدم تعريضه لعوارض السياسة وتبدلاتها؟ وقد أدارت هذه الجلسة الدكتورة عائشة الدرمكيّة.

تعليق عبر الفيس بوك