الكتاب المسافر

أسماء القطيبي

الكتاب المسافر أو (book crossing)، واحدة من أبرز المبادرات العالمية التي تهدف إلى رفع مُعدل القراءة بين النّاس، تتمثل فكرتها في أن يقوم أي شخص بوضع كتاب في مكان عام ثم عبر الموقع الإلكتروني المخصص يُحدد مكان الكتاب وتوقيت وضعه ليسهل على متابعي الموقع العثور عليه. على أن يضع ملصقًا يوضح الشرط الوحيد لأخذ الكتاب، والذي ينص على أن يقوم الشخص الذي عثر على الكتاب بوضعه في مكان آخر من أجل أن يعثر عليه آخرون. وهكذا يتجول الكتاب في أيدي القراء عبر مدن العالم. يطلق المتحمسون لهذه المبادرة على طريقة تناقل الكتب هذه اسم "إطلاق سراح الكتاب "في إشارة إلى أن المعرفة التي يحتويها الكتاب -أيًا كان نوعه- ليست حكرًا على قارئ واحد، وأن هناك العديد من القراء الذين ينتظرون الحصول على الكتاب المسافر.

هذه المبادرة تشبه نوعًا ما فكرة معارض الكتب المستعملة. فهذه المعارض ليست مجرد وسيلة للحصول على الكتب بقيمة أقل فحسب، بل تتعدى ذلك إلى أنّها تتيح فرصة للقراء للتواصل مع بعضهم البعض، فالشخص الذي يتخلى عن كتاب يملكه ويسمح لك بالتلصص على الملاحظات التي وضعها في الهوامش و الخطوط أسفل العبارات يتشكل بينك وبينه نوع من الألفة يدفعك للتساؤل حول هوية هذا الشخص وطريقة تفكيره.

يجد البعض صعوبة في التخلي عن الكتب التي يملكونها، واستطيع فهم ذلك مع الكتب التي تؤثر في آرائنا ونظرتنا لبعض الأمور، والتي يحتمل أن نعود إليها بين فترة وأخرى، لكن لا استطيع فهم الذين يصرون على الاحتفاظ بكل كتاب لديهم رغم أنهم لن يعيدوا قراءتها جميعًا على الأغلب، خاصة وأنّهم لا يتوقفون عن شراء الكتب الجديدة، فهو نوع من المباهاة أم هي عادة التملك؟.

مبادرات مثل مبادرة الكتاب المسافر، ومعارض الكتب المستعملة، ومبادرة تحدي القراءة العربي الذي أطلقه الشيخ محمد بن راشد والذي يعد أكبر مشروع عربي لتشجيع طلاب المدارس على القراءة، من خلال قراءة الطلاب لخمسين كتاب سنويًا ووضع ملخصات عليها جميعها تشترك في فكرة مشاركة المعرفة، فمثل مشاركة أيّ شيء آخر مع النّاس يمنح الأمر شعور بالرضا ويولد مع الأيام نوعًا من الإحساس بالمسؤولية تجاه المعرفة التي يكتسبها خاصة وأنّ النَّاس في مجتمعاتنا ما زالت تنظر للقراءة على أنها نوع من الترف، بعكس المجتمعات المتقدمة التي تنظر إليها على أنّها نشاط معتاد يمارسه النَّاس كلما سنحت لهم الفرصة، حتى أن أحدهم كان يقول بأن "المترو أكبر مكتبة في العالم " لكثرة القراء وقلة المتطفلين والثرثارين.

أحد الأصدقاء في الفيسبوك شارك ذات مرة بعض ملاحظات أخته الراحلة على هوامش الكتب، بدا فخورا أكثر منه حزينا بمشاركة الآخرين ما كتبته، فهي من كانت تحفزه على القراءة، وها هو مازال يتشارك معها القراءة بطريقة أخرى، يستطيع أن يتواصل معها في كل صفحة يقلبها وكل ملاحظة يقرأها. فكرت كم هو جميل أن تترك ذكرى جميلة كهذه!

لا يفترض بالأدراج والأرفف أن تكون مكانًا الكتب، ولا يفترض بالكتب أن تحتفظ لوقت طويل برائحة حبر المطبعة. لذا دعونا نسافر بالكتب تكريمًا للقراءة، أن نشتري عدة نسخ من كتاب نحبه لنهدي الآخرين، أو نضع ملخصات واقتباسات لكتب قرأناها في مواقع التواصل من أجل أن يطلع عليها الآخرون، أو أن نقيّم كتابا قرأناه في مواقع تقييم الكتب. وأن نتخلى عن الكتب التي لا نحتاج لإعادة قراءتها. أن نشارك المعرفة بحب، نتواصل مع قارئ لن نلتقيه، ونترك ذكرى طيبة تستمر حتى بعد وفاتنا.

asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك