اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة

رحاب أبو هوشر

تقول تقارير الأمم المتحدة، الصادرة عشية اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، في 25 نوفمبر من الأسبوع الماضي، أنّ واحدة من كل ثلاث نساء في العالم، تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي من قبل قريب، وأنّ 35% من النساء على مستوى العالم، تعرضن لنوع من أنواع العنف الجنسي. وفي بعض البلدان، تتعرض سبع من كل عشر نساء إلى هذا النوع من سوء المعاملة، وتضيف التقارير أنّ أكثر من (133) مليون امرأة وفتاة، تعرضن إلى تلك الممارسة في 29 دولة بأفريقيا والشرق الأوسط، و(130) مليون امرأة وفتاة، تعرضن لتشويه أعضائهن بالختان خصوصًا في أفريقيا وبعض بلدان الشرق الأوسط. أما المعلومة الأكثر رعباً، فإن واحدة من كل حالتي قتل للنساء عام 2012، نفذها شخص من الأسرة، بينما حالة واحدة من كل عشرين حالة قتل للرجل، كان الجاني فيها من الأسرة.

العنف ضد المرأة ظاهرة عالمية، تتصل بإرث ذكوري ثقيل عبر التاريخ البشري، ولكن لا يُمكن بأيّ حال مقارنة أوضاع المرأة في العالم المتقدم بأوضاعها في العالم الثالث، وخصوصا منطقتنا، فإن كانت المرأة هناك أيضًا تتعرض لأنواع من العنف، إلا أنّ قوانين العدالة والمساواة المدنية تنصفها وتحميها، وتوقع العقوبة الملائمة على الجاني. أما أزمة المرأة العربية في قضية العنف كما في غيرها، أنّها ذات شقين: ثقافي اجتماعي، وقانوني. إذ ما زالت الثقافة الذكورية مهيمنة بل وتزداد شراسة مع سيطرة خطاب أصولي معاد للمرأة، ومعظم القوانين صيغت وفق تلك الثقافة. قوانين قائمة على التمييز الجنسوي، وما زالت دعوات القطاعات النسائية والحقوقية لتعديلها أو تغييرها، تجابه بمقاومة كبيرة من مؤسسات المجتمع، وما عدل من قوانين، بقي مصطدمًا مع السلطة الاجتماعية، وخوف المرأة نفسها من الاستعانة بالقانون.

منظومة التخلف: الثقافة والقانون، يجعل منطقتنا الأكثر ممارسة للعنف ضد المرأة وانتهاكا لإنسانتيها. الختان المهين والمحطم لحياة المرأة جسدياً ونفسياً وجنسيًا، ما زال يمارس ضد طفلات في بعض الأوساط، ولن ترفع قضية ضد من يمارسه، وإن رفعتها بعض الناشطات، فسيتحايل القائمون على القانون لتبرئته. نساء يقتلن بالعشرات كل عام بذريعة "الشرف"، على يد أخ أو أب، ووفق دراسات وتقارير، فإنهن يقتلن غالباً للاستيلاء على ميراثهن أو لشبهات واهية، أو لأنهن قتلن تحت تعذيب أب مدمن مخدرات أو أخ سكير، ولكن القانون في مختلف البلدان العربية، يخصص لهذه الجريمة، عقوبة فريدة لن نقع على مثلها في أيّ قانون جنايات، إذ يمنح القاتل ما يسميه "عذراً مخففاً"، يتيح له قضاء بضعة أشهر في السجن، وفي أقصى الحالات سنوات قليلة، لا يقضيها كلها ليخرج بأول عفو عن السجناء، حتى أمكن لبعض المجرمين أن يقتلوا نساء قريبات لدوافع جرمية، وكانت المادة القانونية لـ "جريمة الشرف" خلاصهم السحري من العقوبة. ولن نجد في العالم مادة قانونية مضادة للعدالة ولحقوق الإنسان، بغرابة تلك الخاصة بإعفاء المغتصب من عقوبة الإعدام إذا ما تزوج "ضحيته". والاغتصاب عنف أكثر وحشية من القتل. هل سمع أحد بقانون يكافئ مجرمًا على جريمته، ويشجع على انتهاك النساء واغتصابهن؟

ومع حروب الفوضى السياسية والاقتتال الداخلي، تفاقم العنف ضد المرأة العربية وتعددت مستوياته وأنواعه، ليدخل أطوارا أكثر وحشية وبشاعة، كالاغتصاب والقتل وتجارة الرقيق الأبيض، واستغلال الظروف المأساوية للاجئين، وانتهاك بناتهم القاصرات وقهرهن عبر سماسرة الزواج.

هشاشة وضع المرأة اجتماعياً وقانونيًا، جعل منها الضحية الأمثل للعنف، كلما اضطربت أوضاع المجتمع وارتفعت وتيرة العنف فيه، بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية أو في ظل الحروب، فمنذ حوالي عقدين، ارتفعت معدلات العنف ضد المرأة العربية في مختلف الشرائح الاجتماعية. وإن بقي أكثر تركزا في الطبقات المسحوقة، إلا أنّه لم يعد مقتصرا عليها، ليطال نساء متعلمات وعاملات. صار العنف الجسدي والنفسي واللفظي داخل الأسر، حدثاً يومياً في حياة نساء يتزايد عددهن وتتفاقم معاناتهن بسببه، يصل إلى حد تعريضهن لإعاقة، أو تهديد حياتهن بخطر القتل. وهناك حالات ماتت فيها نساء تحت التعذيب الجسدي والضرب داخل أسرهن.

إن سلمت المرأة من العنف الأسري، تلقفها العنف الذكوري المنفلت في الشارع ووسائل المواصلات، والأماكن العامة ومكاتب العمل. جموع من الذكور يترجمون ثقافة ترى المرأة موضوعًا للجنس فقط، ويتحرشون بها جنسيًا مادياً ولفظياً، فالتحرش حق لهم لأنّهم ذكور وحسب، وكونها أنثى فقط، يجب أن يرغمها على قبول هذا العنف أيضًا.

المرأة ضحية تدفع الثمن مضاعفًا، مرة بأشكال العنف الموجهة ضدها، وأخرى بالرضوخ لها وعدم مقاومتها. وإلى أن تتمكن المؤسسات الحقوقية والنسوية، من إحراز انتصار بتعديل أو تغيير الوضع القانوني الخاص بقضايا المرأة، ليصبح قانوناً إنسانياً يمثل المساواة والعدالة، لا بد للمرأة من التخلص من اشتراطات الوعي الذكوري، والتمسك بحقوقها الإنسانية.

تعليق عبر الفيس بوك