تداعيات الأزمة الروسية التركية على العلاقات الاقتصادية

فهمي الكتوت

شهدت العلاقات الاقتصادية الروسية-التركية نموًا مضطردًا خلال الأعوام الأخيرة، على الرغم من الخلافات حول معظم الملفات السياسية، وكانت مقبلة على تنفيذ مشاريع ضخمة أبرزها مشروع السيل التركي، بمد خط أنبوب الغاز عبر تركيا باتجاه أوروبا، والاتفاق على إنشاء أول محطة نووية لتوليد الطاقة، التي تضمن لتركيا بناء 4 مفاعلات بقدرة 1200 ميغاوات. وتعتمد تركيا على الغاز الروسي في تغطية نصف احتياجاتها. كما تطورت العلاقات التجارية بين البلدين، واستقبلت تركيا نحو 4.5 مليون سائح في عام2014 . كان واضحًا أن العلاقات تسير بشكل غير متوازن.

لم تفلح المصالح الاقتصادية في الحفاظ على علاقات سياسية مستقرة بين البلدين. فقد لعبت تركيا بالتعاون مع السعودية وقطر دورًا محوريًا في تشكيل الحلف المعادي لسوريا، وهي تحتضن الحركات الإسلامية المتطرفة، وتعتبر ممرا للمتطرفين للدخول إلى سوريا، الحليف الإستراتيجي لروسيا، ومع ذلك لم تتأثر العلاقات الاقتصادية بين البلدين، قبل إسقاط الطائرة الروسية.

صحيح أن المصالح الاقتصادية تشكل المحور الرئيسي في العلاقات الدولية في مرحلة العولمة الرأسمالية، والعلاقات الروسية التركية لا تخرج عن هذا الإطار، لكن من الصعب طرح مفاضلة بين العلاقة الروسية التركية، والعلاقة الروسية السورية، فالعلاقات الروسية السورية علاقات إستراتيجية تتجاوز حدود التبادل التجاري المباشر بين البلدين، وخاصة في المرحلة الراهنة التي يشهد العالم تشكل نواة التعددية القطبية، فالعلاقة مع سوريا لا تخضع للابتزاز أو المساومة، خاصة وأنها أصبحت جزءًا من الأمن القومي الروسي. في الوقت الذي تقف تركيا في الجانب الآخر؛ فهي الحليف الإستراتيجي لأمريكا، وعضو في الحلف الأطلسي، ولديها قواعد عسكرية أمريكية.

وقد شهدت العلاقات الروسية -التركية توترًا ملحوظًا منذ دخول الطيران الروسي ساحة القتال ضد المنظمات الإرهابية في 30 سبتمبر الماضي، وأفشلت الحملة العسكرية الروسية تغلغل العناصر المسلحة، وتمكنت القوات السورية من تحرير مناطق شاسعة بدعم من الطيران الروسي، وعزز دور ومكانة الدولة السورية على الأرض، وانعكس ذلك على المسار السياسي في فينا، فقد سجل التحالف الروسي السوري عدة نقاط هامة على الصعيد الدبلوماسي. مما أضعف الآمال التركية في الحصول على حصة من الكعكة التي استفحلت الأطماع على اقتسامها . لذلك جاء الكمين التركي للطائرة الروسية كمحاولة لإرباك الموقف الروسي، وتعبيرًا عن الاستياء من الدور الروسي.

ومع ذلك؛ وعلى الرغم من الغضب الروسي والشعور بالمهانة، فمن المتوقع أن تعالج روسيا الأزمة، بحكمة وحزم، فهي لم تقدم على خطوة طائشة تشعل حرباً مع دولة في حلف الناتو، لإدراكها تمامًا أن تركيا لم تجرؤ على فعلتها لولا التحريض الأمريكي، لكن تركيا ستندم على ما فعلت.

فقد قطعت روسيا جميع قنوات الاتصال العسكري مع تركيا بما فيها الخط الساخن .. واتخذت روسيا ذريعة مما حصل لتوسيع عملياتها ضد الفصائل المسلحة التي تحظى بتأييد تركي، وخاصة التي تعتبر مسؤولة عن مقتل الطيار الروسي. كما أكدت روسيا على أن أي اختراق تركي للأجواء السورية سيواجه من قبل الدفاعات الروسية. وقد قصفت فعلا الطائرات الروسية الشاحنات القادمة من تركيا والمحملة بالأسلحة لحلفاء تركيا، في منطقة -باب الهوا- كما قصفت ثكنات الأسلحة الموجودة على الحدود التركية. أما السؤال الجوهري؛ هل أصبحت الدعوة التركية لإقامة منطقة آمنة على الحدود السورية خلفنا ؟.. أعتقد ذلك.

وجهزت منظومة "إس400" - أحدث نظام روسي للدفاع الجوي -إضافة إلى الطراد "موسكو" الذي تمركز قبالة سواحل اللاذقية، لتدمير أي هدف جوي محتمل، يشكل خطرًا على مجموعة الطائرات الروسية في سوريا، وأن عمليات الطيران الروسي ستنفذ بغطاء من قبل المقاتلات الروسية كما أكد وزير الدفاع الروسي.

كما أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين ستشهد انتكاسة، فقد أعلنت الحكومة الروسية عن سلسلة إجراءات بهدف تجميد عدد من الأنشطة الاقتصادية المشتركة، وطلبت من رعاياها مغادرة تركيا. فعلى تركيا أن تفعل الكثير لكي تتجاوز محنة الطائرة، واستمرار حالة الاحتقان السياسي بين البلدين، تركيا اليوم أسوأ حالا مما كانت عليه قبل التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، فصعدت القضية الكردية لتصبح من أهم التحديات التي تواجه حزب العدالة، واقتصادها مرشح للتراجع، وخاصة السياحة التي توفر لها 36 مليار دولار سنويًا، بسبب دخولها الصراع الإقليمي.

واضح أن العلاقات بين البلدين تمر بحساسية شديدة في هذه الأيام، وقد بدأت الحكومة التركية بالتمهيد لاحتواء الأزمة، فقد أعلن الجيش التركي أنّه لم يكن يعلم أن الطائرة التي أسقطها على الحدود السورية هي طائرة روسية. وأكد أنّه بذل جهودًا كبيرة في محاولة العثور على قائدي الطائرة وأبلغ السلطات العسكرية الروسية باستعداده لكل أشكال التعاون، كما أعلن الرئيس التركي أردوغان" لو كنا نعلم بأن الطائرة روسية لتصرفنا بشكل مختلف".

تعليق عبر الفيس بوك