المعتمد في فقه الطلاق (الحلقة الأولى)

الشريعة جاءت بما يجلب السعادة والرخاء ويدرأ أسباب العداوة والبغضاء بين الزوجين

◄ شُرع الطلاق علاجا لمشكلة اجتماعية لأن طباع الزوجين قد تتنافر بصورة يتعذَّر الوئام بينهما

تعلَّم أيُّها الزوج العزيز/أيتها الزوجة العزيزة، -أدام الله بينكما الألفة وأبعد عنكما شبح الوحشة والفرقة- أنَّ شريعة الله الخاتمة جاءت بما يجلب السعادة والرخاء، ويدرأ أسباب العداوة والبغضاء، فمن أجل ذلك شرعت شعيرة الزواج، وفصلت حكمه وأحكامه، وبينت شروطه وأركانه، ولم تغفل عن حقوقه وواجباته، وكل ذلك قد مر معك في الجزء السابق من هذا الكتاب "المعتمد في فقه النكاح"، والفضل لله.

وابتغاءً لتحقيق مقصد السعادة والرخاء ودرءًا لأسباب العداوة والبغضاء، فإن الشريعة الكاملة أيضا لم تجعل الزواج غلًّا في الأعناق لا يقبل الانفكاك حتى الممات مهما احلولك ليل الحياة الزوجية بعد إشراقها، وتكدَّرت ساعاتها بعد صفائها، وأصبحت جحيما لا يطاق بعد أن كانت جنة لا يتصور بين ساكنيها الفراق، بل أقرت الشريعة الفراق بين الزوجين من أجل أن ينظر كل في حال سبيله.

يقول شيخنا العلامة الخليلي -متعنا الله بحياته: "الطلاق شرعه الله -تبارك وتعالى- علاجا لمشكلة اجتماعية؛ ذلك لأن طباع الزوجين قد تتنافر ومع هذا التنافر يتعذر الوئام والوفاق بينهما، فإن استمسكا بحبل الزوجية أدى ذلك بهما إلى معاناة دائمة ومكابدة مشاق مستمرة، فقد ينفر طبع الرجل عن المرأة فيكون إمساكها إضرارا بها؛ لأنه مع نفرة طبعه عنها لا يحسن عشرتها، فلا يمسكها بمعروف.

وقد ينفر طبع المرأة عن الرجل ويؤدي بها ذلك إلى مضارته ومشاقته، ثم بالتالي يؤدي ذلك أيضا إلى مضارة الرجل لها، فيكون الضرر متبادلا بينهما، وفي هذه الحالة لا يكون هنالك علاج لهذه المشكلة إلا الطلاق.

ولكن مع ذلك عندما يمكن العلاج لبعض المشكلات بسبب عدم استعصائها، فإنه لا يُلجأ إلى الطلاق؛ فالطلاق هو آخر العلاج، وكما يقال: "آخر العلاج الكي".

لذا؛ فقد تنوَّعت ألوان الفرقة بين الزوجين على مرِّ التاريخ وتعدَّدت أشكالها باختلاف اعتباراتها؛ فمنها ما أقره الإسلام منظمًا كالطلاق والخلع، ومنها ما مقته وأبغضه كالإيلاء والظهار، والكلُّ سيأتي كشفه وبيانه -بعون تعالى- مرتبًا مفصلا.

فصل في تعريف الفرقة

الفُرقة في اللغة مَصْدر للفعل: فرق وفارق، يقال: فرق يفرق فرقة، وفارق يفارق فرقةً وفراقًا، وفي لسان العرب: "وفارق فلان امرأته مفارقةً وفراقًا باينها"، وجمعها: فرق، وهي بمعنى البين والبعد والافتراق.

والفرقة في الاصطلاح الفقهي هي: حل عقد الزواج بسبب من الأسباب التي توجب حله وإنهاءه.

فصل في أقسام فرق النكاح

تعلَّم -أيُّها الفقيه الراشد- أنه يمكن لك تقسيم فرق النكاح إلى عدة أقسام؛ وذلك بالنظر إلى عدة اعتبارات، فإذا نظرنا إلى وصفها الشرعي قسمناها إلى فرقة تعد طلاقًا وأخرى تعد فسخًا، وإذا نظرنا إلى حاجتها للقضاء من عدمه قسمناها إلى فرقة يلزم لحصولها حكم القاضي وأخرى لا يلزم لها ذلك، وإذا نظرنا إلى مريد الفرقة وجدنا أن بعضها يرجع إلى إرادة الزوج، وبعضها يرجع إلى إرادة الزوجة، وبعضها الآخر يرجع إلى إرادة الزوجين معا، وبعضها يرجع إلى إلزام الشرع أو القضاء لهما.

وإجمالا.. فاعتبارات أقسام فرق النكاح هي:

- الوصف الشرعي للفرقة (طلاق، فسخ).

- الحاجة لحكم القاضي.

- الطرف المريد للفرقة.

وهاك نبذة موجزة عن تلك التقسيمات في الفصول الآتيات:

فصل في تقسيم الفرقة بالنظر إلى وصفها الشرعي:

اعلم أيها الأخ المحب -حفظك الله- أنَّ فقهاء الإسلام لم يختلفوا في أن فرق النكاح بالنظر إلى وصفها الشرعي تقسم من حيث العموم إلى فرق تعد "طلاقًا" وأخرى تعد "فسخًا"، وإن اختلفوا بعد ذلك فيما يعد منها طلاقا وما يعد منها فسخا، والفرق بين الطلاق والفسخ من الفرق يبدو واضحا من خلال الأمور الآتية:

1- الأمر الأول: من حيث حقيقة كل منهما؛ فالطلاق هو: إنهاء للعقد الشرعي الصحيح القائم في الحال، كما في الطلاق البائن بنوعيه، أي سواء كان بائنًا بينونة صغرى كالمطلقة قبل الدخول، أو بائنًا بينونة كبرى كالمطلقة ثلاثا، ويترتب عليه استحقاق المرأة المهر إن كان دخول أو نصفه إن لم يكن دخول كما سيأتي بيانه -بإذن الله تعالى.

أو هو إنهاء للعقد الشرعي في المآل؛ بحيث ينشأ لفظه في الحال وتترتب آثاره عند عدم المراجعة بانتهاء العدة، وذلك في الطلاق الرجعي وللمرأة فيه كامل المهر.

تعليق عبر الفيس بوك