انخفاض أسعار النفط .. حديث الساعة

صالح البلوشي

أصبح الحديث عن انخفاض أسعار النفط وتداعيات ذلك على الاقتصاد العماني، ومستقبل التنمية في البلد، وعلاقته بمعيشة المواطن حديث الساعة اليوم في عُمان، سواء في المجالس العامة أو الخاصة، أو مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة مجموعات الواتساب. فالكل أصبح يدلي بدلوه في الموضوع، الموظف في العمل مع زملائه وزميلاته، والصغير في المدارس مع أصدقائه، والمواطن في المقاهي مع أصحابه. وهذه ظاهرةٌ لا تتكرر كثيرًا في السلطنة؛ إذ إن الغالب على أحاديث الناس أنها تدور حول اهتماماتهم الخاصة والبعيدة عن الهموم السياسية والاقتصادية، وهذه حالة إيجابية في حد ذاتها باعتبارها مؤشرا على اهتمام المواطن بهموم الوطن ومستقبل الاقتصاد الوطني، خاصة وأن النفط يشكل العمود الفقري للاقتصاد العماني، وأي هزة ولو طفيفة في أسعار السوق العالمية؛ فإنها تؤثر عليه سلباً بكل تأكيد، فكيف وقد وصل سعر البرميل إلى 40 دولارا فقط، في ظل وجود مؤشرات على استمرار تراجع الأسعار، ومخاوف من عدم وجود أي بصيص أمل في السنوات القادمة لارتفاع الأسعار. ويرجع قلق المواطنين لأسباب مختلفة: فهناك الموظف الذي لا يرى في انخفاض أسعار النفط سوى تهديدا لترقيته، التي يرى أنها تأخرت كثيرا بسبب ذلك، وربما لن تأتي قريباً، وآخر يخشى أن يطال التهديد الرواتب نفسها، رغم التأكيدات الحكومية المتكررة أن رواتب الموظفين خط أحمر. وهناك سائق سيارة الأجرة الذي يرى أن وظيفته أصبحت مهددة؛ بعد التوقعات التي باتت تفرض نفسها بقوة في الآونة الأخيرة بنية الحكومة لرفع الدعم الحكومي عن المحروقات؛ إذ إنّه يُعد أكثر الناس تضررا من ذلك، مما يدفعه إلى رفع قيمة الأجرة لتتناسب مع الوضع الجديد.

ورغم حالة التفاؤل التي تسود المجتمع حول قدرة الحكومة على تجاوز هذه الأزمة بأقل خسائر ممكنة؛ خاصة بعد أن أثبتت تجارب سابقة نجاح الحكومة في ذلك، إلا أن هناك -في الوقت نفسه- بعض الآراء السلبية - وهي قليلة على أي حال- تشكك في قدرة الحكومة على تجاوز الأزمة، ومن ذلك: بعض المقالات التي انتشرت مؤخرًا وتعيد إلى الذاكرة أحداث عام 2011، ونسي هؤلاء أن تلك الأحداث حدثت في ظروف استثنائية، وقد استطاعت الحكومة تجاوزها بنجاح. ومن الأطروحات السلبية التي قرأتها في بعض مواقع التواصل الاجتماعي: أن الحكومة لم تطلب رأينا عندما وصل سعر برميل النفط إلى 140 دولارا، فكيف تريد منِّا أن نتفهم الوضع بعد انخفاض أسعار النفط اليوم! وكأن هؤلاء يريدون أن يقولوا لنا: أننا غير معنيين بما يحدث في الوطن، ولا يهمنا أمره في شيء! وهذا الطرح يسيء إليهم وليس للوطن.

وإذا رجعنا إلى أسعار النفط مجددا، فإن بعض خبراء الاقتصاد يرون أنه لا مؤشر قريب يدل على حدوث تغيير في أسعار النفط بالارتفاع، وأن أكثر التوقعات تفاؤلا تقول: أنها قد تصل إلى نحو 80 دولارا فقط بعد خمس سنوات، وفي الوقت نفسه فهناك قراءات تشاؤمية للحالة تتوقع أن ينزل السعر إلى عشرين دولارا فقط، بمعنى أن طرح البدائل أصبح حاجة ضرورية في هذه المرحلة؛ خاصة أن الأزمة لا تزال في بداياتها وشهورها الأولى، وستزداد تعقيدا في السنوات القادمة، في حال استمرار هبوط الأسعار. ويطرح بعض خبراء الاقتصاد بدائل لتنمية الاقتصاد العماني منها: تشجيع الاستثمارات الأجنبية في البلد وإزالة جميع الحواجز والعراقيل التي تقف وراءها، إذ أن كثيرا من المستثمرين يهربون من الاستثمار في السلطنة؛ بسبب التعقيدات الكثيرة في إنهاء الإجراءات لممارسة أنشطتهم، ويذهبون بأموالهم إلى دول أخرى فتحت أبوابها للاستثمارات الأجنبية، وأذكر بأنني كنت في جلسة العام الماضي مع بعض رجال الأعمال في السلطنة؛ فأخبرني أحدهم أن من أهم أسباب عدم رغبة كثير من رجال الأعمال الاستثمار في السلطنة هي مشكلة الحصول على التصاريح والموافقات من الجهات الحكومية، التي تتأخر كثيرا، مما يدفع بالمستثمر إلى البحث عن مكان أفضل لتثمير أمواله.

ورغم الصورة القاتمة التي يحاول البعض أن يرسمها حول قدرة الاقتصاد العماني على الصمود أمام تردي أسعار النفط إلا أن التعامل الحكومي مع الأزمة يدل -حتى الآن- أنها كانت تتوقع ذلك، ولذلك وضعت خططا لمواجهة أي احتمالات مستقبلية لانخفاض الأسعار، ومما يدل على ذلك التأكيدات الحكومية المتكررة أن معيشة المواطن خط أحمر، وتريث الحكومة حتى الآن من رفع الدعم عن المحروقات رغم الحديث المستمر عنه منذ أكثر من سنة.

تعليق عبر الفيس بوك