مشاريع وطنية على صفيح ساخن

سلطان الخروصي

يبدو أنَّ المرحلة المقبلة تحملُ في طيَّاتها ظروفا اقتصادية صعبة، جرَّاء الانخفاض الحاد في أسعار النفط، وبصورة أفقدته أكثر من نصف قيمته على مَدَى أكثر من ستة أشهر، هذا الانهيار السعري يُهدِّد بالانعكاس سلبًا على كافة أوجه الحياة الاقتصادية، بل أصبح شبحُ الركود يتهدَّد الكثيرَ من القطاعات الاستثمارية؛ مما يجعل مستقبلها مرهونا بمدى قدرة الدولة على تحمل العبء التعويضي لمنع انهيار تلك المؤسسات، وهذا الواقع القاتم ينطبق على دول مجلس التعاون الخليجي التي تعدُّ المتضرر الأكبر من تهاوي أسعار النفط، وحسب التقارير الصادرة عن مركز البحوث الإستراتيجي للناتج القومي العالمي، فيبدو أنَّ التعافي السعري لقطاع النفط لن يكون قبل عام 2019م، فإن أخذنا بمبدأ "كذب المنجمون ولو صدقوا" فإن مزن الذهب الأسود لن تحمل في أحشائها عصارة دولارات على الدول النفطية على الاقل في الفترة القريبة المقبلة.

والسؤال الأهم الذي يُطرح أمام هذا المشهد: لماذا بدأت مؤسسات الدولة تقرع طبول الترشيد في الإنفاق، وتوقَّفت ترقيات الموظفين المستحقة، وتقلَّصت فرص العمل، في وقت كانت المؤسسات الحكومية تتحدَّث فيه عن خطط وإستراتيجيات ناجعة في الاستثمار وتطوير المشاريع المساهمة في التنويع الاقتصادي، حينما كان سعر البرميل يناهز الـ120 دولارا؟!، فهل المشاريع الوطنية الضخمة التي شرعت فيها الدولة يُمكنها أن تخرجنا من عنق الزجاجة، أم أنَّ الأمر لا يزال يحتاج مزيدا من الدراسة؟!

دَعُوْنا نُثمِّن إصرارَ وزارة المالية والمسؤولين بالدولة على أنَّ المواطن لن يتأثر بأية إجراءات تُتَّخذ لمواجهة هذا الانهيار السعري للنفط، وكما أكد أكثر من مسؤول بأن رواتب الموظفين وحقوقهم "خط أحمر"، إلا أننا نتساءل: ما هي الحلول المنتظرة في ظل تشابك مصالح المواطن ومتطلبات حياته اليومية بالكثير من القطاعات والسلع والخدمات؟ وهناك سؤال آخر يُطرح في هذا المقام حول نوعية المشاريع العملاقة التي تبنتها الدولة بميزانيات مهولة بهدف جذب الاستثمار الداخلي والخارجي، فهل هذه المشاريع قادرة على إيجاد التوزان بين قيمة الإنفاق والعائد الاستثماري المتوقع؟

لا يختلفُ اثنان على أنَّ اقتصادَ كثير من الأمم الرائدة يُبنى بخطوات مدروسة تمكِّنها من جلب رؤوس الأموال والأصول الاستثمارية من خلال التسهيلات والمرونة في الأنظمة والقوانين؛ بما يحفظ مصالح الطرفين -الدولة والمستثمر- كما أنَّ المشاريع الخدمية الضخمة التي تستنزف ميزانية الدولة لابد أن تكون لها حسابات دقيقة جدًّا حتى لا تكلف الدولة أعباء على حساب المشاريع التنموية الأخرى، أضف إلى ذلك أنَّ كثيرًا من دول العالم تُنشئ مشاريع خدمية حيوية كالطرق والجسور والمساكن بشراكة استثمارية مع القطاع الخاص، بحيث يكون صانعا حقيقيا في القرارات الاقتصادية بما يخدم الصالح العام.

وبناءً على ما تقدَّم، دعونا ننثر بعضا من أوراق المشاريع الخدمية والاستثمارية الوطنية العظيمة التي وَجَّهت فيها الدولة أموالا طائلة بهدف جني العائد المجزي؛ ومنها: مشروع خط الباطنة الساحلي والذي بلغت كلفته كلفة طريق الباطنة الساحلي، والمؤمل إنجازه على ثلاث مراحل بلغت ما يعادل المليار وسبعمائة واثنين وثمانين ريالا، والمتوقع اكتمال إنجازه في العام 2018م، أضف إلى ذلك أن كلفة المساكن البديلة التي وفَّرتها الحكومة لمن يرغب باقتنائها بدلا عن التعويض النقدي بلغت 433.256.980 ريالا، علاوة على أنَّ التعويض النقدي لمن لا يرغب في اقتناء المنازل الحكومية بلغت 774.159.312 ريالا، وأمام كل هذه الأرقام ظهرت الكثير من الشكاوى من قبل الأهالي بسبب غياب معيار التعويض والاستبدال والذي تجلى لاحقا في المرسوم السلطاني بإلغاء اللجنة العليا للتخطيط والمدن، والتي عنيت بتقدير التعويضات المستحقة للمتأثرة منازلهم بهذا المشروع؛ مما جَعَل الأمر بعد ذلك برمته على وزارة الإسكان ليزداد عليها العبء. والجدير بالذكر أنَّ هيكلة البنية العمرانية للمنازل البديلة كانت محلَّ استهجان كثير من الأسر؛ بحيث أنها لا تراعي خصوصية الأسرة العمانية بسبب تداخل بعضها البعض مما حدا بكثير من الأسر رفض تلك المنازل والمطالبة بتعويض مالي قدرته وزارة الإسكان حسب اللائحة الأخيرة وفقا لما جاء في جريدة عمان نصا: "..وحول التعويض الذي صرح به معالي وزير الإسكان مؤخرا وهو أنه تم اعتماد المخصصات المالية للتعويضات، وإقرار قيمة التعويض النقدي للمرحلة الثانية بصيغتها الجديدة حيث سيتم صرف مبلغ 45 ألف ريال عماني (كحد أدنى) لكل وحدة سكنية متأثرة، وهذا المبلغ قابل للزيادة حسب آلية تعويض مناسبة للمنازل تأخذ في الحسبان عدة عوامل إنشائية، ومن بينها عدد الغرف والملحقات وأمور فنية أخرى.."، في وقت أشارت فيه تقارير وزارة الإسكان إلى أنَّ عدد المنازل المسجلة لها والقابلة للتعويض حتى منتصف 2014م بلغت 10671، وعدد المزارع بلغت 8221، وبلغت حالات التعويضات 8973، ومما تقدم نطرح سؤالا جوهريا: ألا تشكل الأرقام الآنفة الذكر عبئا وخيما على ميزانية الدولة؟ وهل تم دراسة هذا المشروع باستفاضة وتُؤدة بحيث يمكن من خلاله تحقيق الأهداف المرجوة واستقطاب العائد الاستثماري والخدمي للصالح العام؟

نموذج آخر نطرحه هنا وفي عجالة وهو مشروع المنطقة الحرة في الدقم والتي كلفت بنيتها الأساسية حسب ما نشرته جريدة "الوطن" في عددها المنشور بتاريخ (28مايو2015م) ما يربو عن 1.7 مليار ريال عماني دون المنشآت الفندقية والترفيهية وغيرها من متطلبات المناطق التجارية الحرة؛ على أمل أن تسهم بـ5% من الناتج المحلي وفق رؤية عمان 2020م، وقدمت الدولة في هذا المشروع جملة من التسهيلات لتحقيق العائد الاستثماري ومنها كما جاء نصًّا: "...إنَّ هناك حزما من الحوافز تقدم لاستقطاب المستثمرين المحليين والأجانب من بينها عدم وجود جمارك على البضائع، وإعفاء من الضرائب لمدة 30 عاما، والسماح بحق الانتفاع لمدة خمسين عاما، وعدم اشتراط حد أدنى لرأس المال المستثمر في المشروع، والسماح للمستثمر الأجنبي بتملك الاستثمار بنسبة 100%، وعدم وجود قيود على تحويل الأرباح ورأس المال، وتقديم أسعار تنافسية في الإيجار السنوي للأراضي التي يحصل عليها المستثمرون وفقا لنظام حق الانتفاع.."، وأمام هذا المشروع الضخم الذي يقدم مرونة لأبعد الحدود في سبيل جلب رؤوس الاستثمار نتساءل هل الخطط والاستراتيجيات التي رسمت له وضعت خط عودة إن وجدت حسابات مختلفة لم تؤدي إلى الغاية المنشودة منه على غرار خط الباطنة الساحلي وتبعاته المالية والاجتماعية؟

إننا بحاجة إلى أن تُستثمر موازنة الدولة في مشاريع وطنية مدروسة بعناية متناهية؛ فأغلب المشاريع الحكومية تستقطب ينابيع مالية مهولة قد تعزز من الدين العام وتدفعنا نحو خيارات صعبة، وما أُعلن (وفق مصدر مسؤول -امتنع عن نشر اسمه- كما نشرته مجلة "أثير") عن عجز في ميزانية هذا العام مقدَّر بـ5 مليارات ريال، ليتطلب منا مراجعة منظومة المشاريع العملاقة، وتفعيل مبدأ المحاسبة والمساءلة والاستفاضة في طرح دراسات الجدوى من كل مشروع يطرح قبل تمريره لمجلس المناقصات واعتماده.

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك