إعلان الطوارئ لوقف الفتنة الكبرى في العالم العربي والإسلامي

د. يحيى أبو زكريا

العالمُ الإسلاميُّ في خَطَرٍ حقيقي، وإعلان حالة الطوارئ لإنقاذه بات أكثر من واجب لإعادة تصحيح الأمور وتقويم الاعوجاج.

دِمَاء وتقاتُل وتباغُض وكراهية وتناحر وتآمر وتعاون مع كلِّ شياطين الدنيا من الولايات الأمريكية إلى الكيان الصهيوني إلى الإرادات الغربية.. باسم الإسلام تارة، وباسم الضرورات الشرعية تارة أخرى.

المذهبية، الطائفية، الجهوية، القطرية، التكفير، أكل القلوب والأكباد، شيّ الرؤوس والأجساد.. مفردات قبيحة ألغاها الإسلام بالكامل من قاموسه، وبعد دخول العالم الإسلامي في مرحلة الانكسار الحضاري وغياب القيادات الجامعة التي تستحضر الله في كل تفاصيل عملها وأدائها، عادت هذه المفردات لتجسِّد واقعا مريضا في أكثر من جغرافيا إسلامية.

ومع كلِّ ما يُلم بالعالم الإسلامي، لم تُعلن حالة الطوارئ القصوى لإنقاذ العالم الإسلامي.. ومن هُنا، نشأت الضرورة الشرعية لوقف مسار التدهور الخطير للعالم الإسلامي.

وكالنار في الهشيم، انتشرت ظاهرة الإرهاب في العالم الإسلامي، وبات عنوانا مُلازما للمشهد العربي والإسلامي في خط طنجة-جاكرتا. وتمادَتْ وسائل الإعلام والمواقف الرسمية في الغرب في غيِّها عندما ربطتْ ومزجتْ بين الإسلام والإرهاب، حتى بات الإسلام الحضاري المحمدي الأصيل في قفص الاتهام كدين مُنتج وصانع للإرهاب، وأصبح أتباعه في موقع الدفاع دوما عن دينهم وحضارتهم، علما بأنَّ هذا الغرب أدَّى تقاتل بنيه في الحرب الكونية الثانية إلى إزهاق أرواح ستين مليون نسمة في الجغرافيا الأوروبية.

والواقع أنَّ الإرهاب مرَّ بتطوُّر تاريخي من العصور القديمة (الإغريق، الرومان، الفراعنة، الإرهاب اليهودي) مرورا بالعصور الوسطى (الإرهاب في أوربا، الحروب الصليبية، محاكم التفتيش، عصر صدر الإسلام)، وصولا إلى الإرهاب في العصر الحديث (الإرهاب الصهيوني والغربي -ممثلا في الحركات الاحتلالية والاستعمارية). قبل أن يرتبط الإرهاب بالأيديولوجيا كما في الحركات اللادينية (الماسونية والشيوعية) والتيارات الدينية (تنظيم الجهاد الإسلامي وتنظيم التكفير والهجرة). ومدلول الإرهاب في الإسلام من خلال كلمة رهب ومشتقاتها تكرَّرت في القرآن الكريم 8 مرات، تؤكد كلها نبذ الإسلام للإرهاب؛ والذي أصبحتْ الإرادات الغربية من خلاله تشوِّه صُوْرة الإسلام وتنفِّر منه -ناهيك عن الإساءة للمسلمين، وتحطيم روحهم المعنوية، وتضليل الرأي العام العالمي والسيطرة عليه، وتبرير الأعمال الإسلامية ضد المسلمين، وزعزعة الأمن والاستقرار في الدول الإسلامية- وفي الثلث الأخير من القرن العشرين، مَزَج بعضُ المسلمين بين الإسلام والإرهاب، وحوَّلوه إلى أكبر دين مُعادٍ للبشرية، مُفرِّغين مُصطلح الجهاد من محتواه الفعلي، ولم يتحوَّل دينٌ من الأديان إلى موضوع للإثارة والأخذ والرد والجدل، مثلما أصبحت عليه اليوم حال الإسلام في الجغرافيا التي تدين بالإسلام، وفي الجغرافيا الغربية، بل في جغرافيا المذاهب الدينية والمذاهب الإنسانية على حد سواء، وإذا كان الإسلام في مراحل نموه وإمتداده إرتبط بالتحضر والفكر والثقافة، فإنه في الثلث الأخير من القرن الفارط وبدايات القرن الحالي ارتبط أو أريد ربطه بالإرهاب والقتل والاعتداء والاختطاف، وتمَّ تجريده من كلِّ القيم الحضارية التي كرسها هو في الفكر الإنساني، وقدم الإسلام على أنه دراكولا الجديد الذي لا يؤمن إلا بالقتل والتجني على الآخرين والسطو على أموالهم وخيراتهم، وساهمت ممارسات المحسوبين على هذا الدين -السلبية والمشوهة- في تكريس مفهوم الإسلام دراكولا الذي تعمل مؤسسات ذكية على نشر هذه الصفة وتعميمها.

وإذا كانت إستراتيجيات الآخر -الذي يهمه وأد الإسلام، وتجريده من أبعاده الإنسانية والفكرية والحضارية- واضحة ولها ما يُبرِّرها بحُكم أنَّ الصراع الفكري والمذهبي والديني صفة ملازمة لحركة الإنسان والتاريخ منذ بدايتها، فإنَّ ما يدعو إلى التأمل هو قيام مجموعات من المحسوبين على الإسلام على التساهل في موضوع القتل وأخذهم من الإسلام ما يُبرِّر هذه المسلكية العدوانية، والتي لا يُقرها لا الإسلام ولا نصوصه القرآنية ولا نصوصه النبوية ولا إجماعات العلماء المتقدمين والمتأخرين.

وتجدُر الإشارة إلى أنَّ الأصلَ في وُجُوْد الإسلام وقيامه هو البناء لا الهدم، التكامل لا التناقص، الإحياء لا القتل، تقديس الروح البشرية لا امتهانها، حرمة الدماء والأموال والأعراض لا انتهاكها، إقامة العدل وتحقير الظلم، ولم يحتط الإسلام في شيء مثلما احتاط في الدماء، وجعل إزهاق الروح الواحدة كإزهاق أرواح البشر جميعا، ولم يشرع الإسلام التعدي على الآخرين اللهم إلا بمقدار الدفاع عن الأرض والعرض، وحتى في حالات الدفاع عن الأرض والعرض هناك مجموعة شروط يجب الالتزام بها؛ منها: حرمة التعدي على النساء والأطفال وحرمة قطع الأشجار وإلحاق الرعب بالآخرين. والذي حدث بعد وفاة رسول الإسلام -ص- أنه تم التجاوز عن النص إلى التأويل، وتم التجاوز عن سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إلى سير بعض أدعياء العلم وأنصاف الفقهاء.

تعليق عبر الفيس بوك