شعب فرنسا يستحق الدعم .. لكن فلسطين أولى

عبيدلي العبيدلي

تناقلت وكالات الأنباء ردود الفعل العالمية والعربية على هجمات باريس التي وقعت يوم الجمعة الموافق 14 نوفمبر 2015. ننقل مجموعة مختارة منها دون الحاجة لوضعها بين معقوفتين نظرا لانتشارها الواسع حتى تحولت إلى ما يصبح الملكية المشاعة. الرئيس الأمريكي باراك أوباما: اعتبرها هجمات على الإنسانية ومحاولة فظيعة لترويع المدنيين الأبرياء. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: صرح أن هجمات باريس تعكس كراهية والقتلة ليسوا بشرا، وروسيا مستعدة لدعم حكومة وشعب فرنسا. رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون اعترف: تتملكني الصدمة وقلوبنا ودعواتنا مع الشعب الفرنسي وسوف نفعل أقصى ما نستطيع للمساعدة. الرئيس الإيراني حسن روحاني تحدث: باسم الشعب الإيراني، الذي هو نفسه ضحية الإرهاب، أستنكر بشدة هذه الجرائم ضد الإنسانية. رئيس الوزراء التركي داود أوغلو وجد أن: الهجمات الغاشمة في باريس استهدفت الإنسانية جمعاء، لذلك نحن ندينها بشدة. أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أكد على أن: هذه أعمال إرهابية إجرامية تخالف كل تعاليم الدين السماوي والقيم الإنسانية. حتى بشار الأسد اغتنم الفرصة مشددا: لأننا عانينا من هذا النوع من الإرهاب على مدى الأعوام الخمسة الماضية في سوريا وما حدث في فرنسا أمس الأول لا يمكن فصله عما حدث في بيروت قبل يومين لأن الإرهاب هو نفسه ولا ينبغي أن ننظر للإرهاب على أنه يحدث في ساحات منفصلة الساحة الليبية أو اليمنية أو الفرنسية ففي الواقع هي ساحة واحدة على امتداد العالم بأسره. حتى أكبر ارهابي عرفته الإنسانية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو تنطح قائلا: لقد كلفت قوات الأمن الإسرائيلية والمخابرات في مساعدة زملائهم الفرنسيين ومن الدول الأخرى بأي طريقة ممكنة.

لا يستطيع أحد ينتمي إلى المجتمع البشري إلا أن يضم صوته إلى تلك القائمة، فما حث في باريس لا يمكن إلا أن يشجب وتدان القوى التي تقف وراءه، بغض النظر عن التبريرات التي تسوقها، أو الأهداف التي تدعي أنها تسعى لتحقيقها.

لكن ذلك لا يمنع المتابع للمشهد السياسي العالمي، وفي القلب منه العربي، إلا أن يرفع علامة استفهام متشككة في العمليات الإرهابية الواسعة النطاق التي باتت تجتاح العالم، ووصلت إلى عواصم دول مثل باريس ولندن، يفترض أنها حققت نضجا اجتماعيا وسياسيا راقيا نظم الصراعات بين الفئات المختلفة ذات الخلفيات السياسية والاجتماعية بل وحتى العقيدية بشكل لا يجد الإرهاب طريقه إليها.

علامة الاستفهام هذه ترشد ذلك المشاهد نحو مجموعة أخرى من الأهداف التي تقف وراءها قوى دولية ليست أمريكا، وعواصم غربية أخرى، ومعها العدو الصهيوني بعيدة عنها، فهي التي تروجها ومن ثم تستفيد من وراء تلك العمليات وتجيرها لصالح مشروعات أخرى تخدم مصالحها.

أول تلك المصالح وأكثرها قربا من سياسات تلك العواصم، هو شد انتباه العالم نحو تلك الظاهرة كي تموه ظواهر أخرى تخدم مصالح تلك القوى. فعندما تسيطر أخبار هذا النمط من الإرهاب على وسائل الإعلام الدولي، ينجرف العالم برمته نحو موجات الإدانة والشجب لها، وتتراجع أمامها كل المطالب العادلة التي ترفعها شعوب العالم في وجه طغيان عواصم الدول الكبرى التي لا تكف عن إعادة توزيع ثروات العالم بعد نهبها لصالحها وسط تلك الحملات المحمومة لشجب الإرهاب.

ويصب في طاحونة تلك الأهداف، هدف تمويه وطمس معالم سياسات الإرهاب الأخرى التي تمارسها دول فاشية مثل الكيان الصهيوني ضد الشعوب، فوسط صيحات الشجب التي استعرضنا بعضا منها، تتلاشى الأخرى التي تعري ما تعانيه شعوب مثل الشعب الفلسطيني، وعندها تتراجع القضية الفلسطينية لصالح قضايا أخرى تتصدرها دعوات مزيفة لمحاربة الإرهاب، كتلك التي نشهدها اليوم. وليست تل أبيب هي الدولة الوحيدة، فنظرة سريعة للخارطة العربية تكشف كم تعاني شعوبنا في العراق وسوريا، بل وحتى في مصر من ويلات الإرهاب الدولي، الذي ليست عواصم مثل واشنطن، وموسكو، ولندن، بل وحتى باريس ذاتها بعيدة عنه. فجميع هذه العواصم لها مصلحة مباشرة في اندلاع الحروب في بقاع المعمورة، طالما بقيت هي في منأى عنها. وكلما تفاقمت أزمات تلك العواصم الاقتصادية، كلما انفتحت شهية مصانعها العسكرية لزيادة انتاجها الحربي. الفرق الوحيد اليوم ان موجات الإرهاب باتت تطالها بدلا من حصرها في دول العالم الثالث البعيدة عن بلدان تصدير الأسلحة، وقبلها تصدير الحروب.

كل تلك مؤشرات تعري الأهداف الحقيقية الخبيثة التي تقف اليوم وراء التصعيد الإعلامي ضد الإرهاب، دون ان يعني ذلك تأييدنا له. فما تقوم به الفئات الإرهابية، بمختلف مللها وانتماءاتها سلوك لا إنساني من الخطأ السكوت عليه، وعدم إدانته. لكن هناك بون شاسع بين شجبه في إطار إدانة شاملة متكاملة لكل قوى الإرهاب ومنشطيه، وفي مقدمتهم قوى مثل الكيان الصهيونية والولايات المتحدة وروسيا وإيران، ودول أخرى، وبين حصره في الإطار الذي هو عليه الآن.

فما نشهده اليوم، دون الوقوع أسرى في نظرية المؤامرة، كما قد يتراءى للبعض منا، هو مصيدة إعلامية تخفي وراءها مشروعا إرهابيا سياسيا يهدد بنيان المنطقة العربية، يجري التخطيط له في العديد من العواصم العالمية، تل ابيب ليست بعيدة عنها. وعلى من يريد محاربة الإرهاب بشكل حقيقي واستراتيجي إلا تجرفه موجات الإعلام "المفبرك" إن جاز القول كي لا يجد نفسه منضويا تحت تحالف لا يريد أن يجد نفسه بين صفوفه.

التعاطف مع الشعب الفرنسي واجب إنساني، ينبغي أن يسبقه تعاطف انساني - قومي مع الشعب الفلسطيني الذي يعاني، ولأكثر من نصف قرن إرهابا لا يقل همجية عما شهدته باريس خلال نصف ساعة، ومن ثم فهو اولى بالتعاطف دون ان يعني ذلك نسيان باريس.

 

تعليق عبر الفيس بوك