الأزمة الاقتصادية تطارد قمة الـ 20

عبيدلي العبيدلي

أنهى أمس الإثنين (16 نوفمبر 2015) قادة الدول الأكثر ثراء في العالم في قمة مجموعة العشرين بأنطاليا، تركيا، مناقشة جدول أعمال القمة، التي وصفت هذا العام بأنّها "جاءت مثقلة أصلاً بالنزاع في سوريا وأزمة اللاجئين والمناخ، وأُضيفت إليها الاعتداءات التي تبناها تنظيم (الدولة الإسلامية) المعروف بـ(داعش) وأوقعت 129 قتيلاً على الأقل في باريس". وكما هو معروف "تعتبر مجموعة العشرين من النوادي الرئيسية لمناقشة قضايا التعاون العالمي الاقتصادي والمالي، وهي تضم كبريات اقتصادات العالم المتطورة والنامية التي تصل حصتها إلى ما يفوق 90% من الإنتاج الداخلي الإجمالي العالمي"، ويشكل عدد سكانها حوالي 62% من سكان العالم.

حاولت وسائل الإعلام إبراز قضية "مواجهة الإرهاب، وتجفيف منابعه"، على أنها البند الأهم على جدول أعمال القادة، متناسية الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ولادة الإرهاب ومده بالمنشطات التي تضمن استمراره وتصاعد عملياته، في حين حذرت مراكز الدراسات المالية والاستراتيجية، في قراءاتها التي سبقت انعقاد قمة أنطاليا، بأن خطورة الأزمة الاقتصادية التي تنذر عواصفها بالهبوب، تفوق تلك التي يشكلها الإرهاب، دون أن يعني ذلك تبرير استمرار الإرهاب أو الدفاع عن القوى التي تقف وراءه، وتمول عملياته التي لم يعد هناك من يرفض إدانتها. ولعل في تصريحات الكثير من قادة دول العشرين الكثير من الإشارات التي لا تكف عن ضرورة العمل المشترك لانتشال الاقتصاد العالمي من أزمته المعاصرة الطاحنة، التي ينبغي أن تكون، من وجهة نظرهم، الموضوع الأهم في جدول أعمالهم.

كان الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، هو أول الملمحين إلى تلك الأزمة الاقتصادية العالمية البنيوية، عندما دعا قبيل انعقاد القمة "إلى تعزيز التعاون بين الاقتصاديات الكبرى في العالم، (مشيرا في مقال) نشرته صحيفة (فايننشال تايمز) إلى أنّه في حين أن الولايات المتحدة مُستعدة لتصدر الجهود الدولية لزيادة الوظائف وتحقيق معدلات نمو أقوى مع استدامة الرخاء فإنّها لا يمكن أن تكون المحرك الوحيد للنمو الاقتصادي العالمي، (مضيفاً) أنّه إذا أفرط العالم في الاعتماد على المستهلك الأمريكي فإنّ ذلك سوف يُهدد استدامة الانتعاش العالمي".

في فترة متزامنة أيضًا، مع نشر موقع مؤسسة الأهرام المصرية الإلكتروني عرضا لكتاب "آخر القوى الاقتصادية العظمي: تراجع العولمة ونهاية السيطرة الأمريكية وما يمكن أن نفعل بشأنها" من تأليف كبير إستراتيجيي السوق في بنك أوف أمريكا جوزف كوينلان، وعرض مروة نظير. تنقل نظير عن كوينلان قوله في الفصل التاسع إحدى السيناريوهات التي يتوقعها حيث "تصل دول العالم المختلفة عبره لتفاهم فيما بينها، وتتجه نحو التعاون، بحيث تصبح مجموعة العشرين الحاكم للاقتصاد العالمي، وتقبل الولايات المتحدة وأوروبا بانحسار دورهما، ويصبح للدول النامية الرئيسية دور حقيقي كفاعلين على الساحة العالمية".

ويبدو أنّ أوباما قد تغافل عما جاء في أبحاث الأكاديمي الروسي مويسييف، المعتمـدة علـى قـوانين الرياضيات، التي تؤكد، "عدم إمكانية الاحتفاظ بهذا الوضع (تفرد أمريكا بقيادة العالم) لفترة طويلة، لأنّ التاريخ أثبت أنـه فـي كل مرة أدارت فيها قوة عظمى واحدة العالم دون أن يكون لها قوة معادلـة انهـارت، كرومـا والإمبراطوريات الأخرى التي سيطرت على العالم القديم منفردة، وشبه هذا الوضع بكرسـي يستند على ساق واحدة ".

تزامن نشر ذلك المقال مع نداء بثه موقع "سي إن إن" طالب "البنوك أن تستعد جيداً، إذ يجب عليها توفير 1.2 تريليون دولار لتأمين وضعها قبل التدهور المالي القادم". ويستطرد المقال منوها إلى " قوانين جديدة أصدرها مشرعون ماليون عالميون، تهدف لمنع وقوع انهيار اقتصادي جراء إفلاس أي بنك عالمي".

سبقهم جميعاً إلى منصة الدعوة لمعالجة تردي الأوضاع الاقتصادية العالمية، وكاشفا عن بعض أسبابها الجوهرية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريح له مخاطبا مجموعة العشرين بالقول، "قوة مجموعة العشرين تتمثل في الاتفاق على المشاريع الاقتصادية، وأن التوزيع غير العادل للثروة في العالم يجب الحديث فيه، وخصوصا احتكار الدول الكبرى الخمس للقرارات وهو ما يتعارض مع ديمقراطية العالم، معتبرا أن العالم تغير منذ الحرب العالمية الأولى ولم يعد من المقبول أن تتحكم خمس دول في مصير العالم".

وطالما أن حديثنا منصباً على "مجموعة العشرين"، ودورها في مواجهة التدهور البنيوي الذي يتربص بالاقتصاد العالمي، ينبغي الإشارة إلى ما حذّر منه نائب رئيس وزراء أستراليا السابق "وين سوان"، وترجمه "أمين علي" من ضرورة تقليص التفاوت بين سكان العالم إذ "إنّ التفاوت بين الناس ليس بالقضية الهامشية. وتشكل مكافحة اتساع فجوة التفاوت ضرورة أساسية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام والاستقرار السياسي. وتكمن قوة مجموعة العشرين الحقيقية في قدرتها على تسليط الضوء على مثل هذه التحديات وتوليد المناقشات المستنيرة حول القضايا المختلفة كتمهيد للعمل الجاد".

في السياق ذاته يحذر الباحث ريتشارد رايت من مستقبل مظلم يتربص بمستقبل الاقتصاد العالمي الذي بات يُعاني من معضلات بنيوية. فحسب رؤيته "منذ انهيار شركة ليمان بروذرز عام 2008، ازدادت الديون العالمية لتصل إلى 57 تريليون دولار أمريكي، ومن ثم ارتفعت على نحو مخيف عام 2014 لتصل إلى 199 تريليون دولار أمريكي، أي أكثر من إجمالي الناتج المحلي مرتين ونصف، وعلى الأرجح أن خدمة هذه الديون ستزداد صعوبة طوال الأعوام القادمة، وبشكل خاص إذا واصل النمو ركوده، وبدأت أسعار الفائدة في الارتفاع، وظلت فرص التصدير على ضعفها، واستمر انهيار أسعار السلع الأساسية."

من جانبه يعتقد الكاتب أحمد الخميسي، أنّ "الجانب الأكثر خطورة الكامن في الأزمة السياسية العالمية الحالية، أن الرأسمالية اعتادت حل أزماتها الاقتصادية بتصديرها للخارج بإشعال الحروب".

عليه فإنّ الأزمة الاقتصادية تمسك بتلابيب النظام الرأسمالي، ويزداد الأمر سوءًا عندما ترتد الحروب التي تشعلها بلدان ذلك النظام خارج حدودها عليها، كما نشاهد اليوم في باريس وعواصم غربية أخرى.

تعليق عبر الفيس بوك