من أجل عُمان

علي بن مسعود المعشني

تنتابنا بين حين وآخر مشاعر ممزوجة ومتأرجحة بين الطموح والغيرة الوطنية مغموسة في حب الوطن لرؤيته في المكانة اللائقة به، والطور الطبيعي لمراحل نموه وتنميته، قياسًا على ممكناته ومقدراته، وفي النهاية فهي مشاعر وحب مشروع ومحبب لكل وطني غيور ولكل من له رؤية ويحمل رسالة تجاه وطنه ومجتمعه، فوطننا أحب إلينا من غيره وأوجب علينا في الإسهام ولو بشطر كلمة تجاهه بما يُسهم في رقيه ويحافظ على مكتسباته ويصون ثوابته.

ولا بأس أن نُغرد ونمارس حقنا وواجبنا تجاه وطننا العزيز، ونحن نعيش أجواء ومشاعر استثنائية تتمثل في الاحتفال بولادة عمان المعاصرة وبميلاد سيدها وباعث مجدها السلطان قابوس المعظم - حفظه الله ورعاه - ونتطرق لبعض الممكنات التي نعتقد بأهمية وجودها في حياة الوطن والمواطن، تناغمًا مع طموح القائد الباني وحق الوطن علينا بموروثه وأمجاده.

المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون:

لم يعد من الخافي اليوم ولا من المُبرر التقاعس عن بناء الشق الفكري للدولة العصرية والمتمثل في الاهتمام والرعاية بالثقافة بشموليتها، والآداب والفنون بأصنافها، لما تحمله وتعنيه للأوطان من ذائقة وحس وطني وذاكرة ورسالة.

بعد أن نالت التنمية بشقها التقني نصيب الأسد من الدعم والرعاية لأسباب نتفهمها وفرضتها الضرورة القصوى في مراحل ومفاصل عمر التنمية لعُماننا الحبيبة.

ولا بأس من التذكير هنا بأننا ومنذ بواكير نهضتنا كانت هناك ملامح جميلة من ملامح العناية والرعاية بالوجه الفكري للدولة، ولكنها تجمدت وبعضها هُجر مبكرًا وقبل أن يشتد عوده ويؤتي أكله. فقد كانت لدينا فرقة فنية خاصة للإعلام، وأخرى مثيلة لوزارة التراث، وفرق خاصة بوزارة الديوان السلطاني، وبعض القطعات العسكرية، وكانت هناك قائمة تصنيف كاملة وشاملة بجميع المطربين والعازفين في السلطنة، وفرق فنية ومسرحية للهواة، وبالتالي لم تكن لدينا أية مشكلة في المشاركات وإحياء الفعاليات الفنية وجلب المعنيين والمتخصصين لأيّ مُناسبة بداخل السلطنة وخارجها بل والتميز فيها. وكان من اليسير وبقليل من العناية والرعاية لتلك المظاهر والعناصر خلق بنية فنية رائعة والبناء عليها بكل يُسر وسلاسة مستقبلًا، ولكنها هُجرت وتبددت للأسف الشديد.

كما تمّ إشهار النادي الثقافي بقصد رعاية وتنشيط المشهد الثقافي في السلطنة والنهوض به، ولكنه جرى تحجيمه بصورة غير مفهومة أو مبررة رغم نمو وتطور كل شيء من حوله.

واليوم نعيش عصر الجمعيات المتخصصة والمهنية لتشكل لنا روافد فكر وثقافة ووعي وذائقة ولكنها تُعاني من مظاهر وأعراض الشيخوخة المُبكرة لغياب الدعم وضبابية الرؤية الرسمية لها ولدورها ورسالتها تجاه الدولة والفرد والمجتمع.

لقد عِشنا نشوة الأوامر السامية بتطوير الدراما العُمانية والنهوض بها، والتي أصبحت اليوم في طي النسيان للأسف، حيث عولنا عليها في فتح آفاق الدراما وصناعة السينماء والارتقاء بالذائقة والتوثيق وخدمة الذاكرة الوطنية، والنهوض بجيل من الكتاب الفنيين في الدراما وإعداد البرامج وكتابة النصوص الفنية والوثائقية ومن خلالهم الارتقاء بقطاع الإنتاج الفني بشقيه الحكومي والخاص ورفع الجودة والقدرة التنافسية والنّدِية لماهو معروض على الساحة. كما فرحنا بوعد إنشاء معهد للفنون بصحار، والذي لم ير النور مطلقًا.

لانبالغ إذا قلنا بأنّ الشق الفكري للدولة في خطر، وبحاجة ماسة إلى نظرة موضوعية وعناية فائقة تتجاوز الأعذار المالية والعقليات المكتبية التي تهزمها اللائحة وبنود الإنفاق وتسجنها عن كل إبداع إجرائي أو السعي لخلق بدائل ناجحة.

نحن اليوم بحاجة ماسة إلى مظلة جامعة للثقافة والآداب والفنون تقيهم من الإهمال وتنازع الاختصاصات وأهواء من تجاوزهم الزمن وأرادوا قتل وجه عُمان المضيء والمُبهر والخلاق، وتنظم عملهم ورسالتهم تجاه الدولة والمجتمع. مظلة ذات شحصية اعتبارية مستقلة ماليًا وإداريًا، وتتمتع بحق الانتفاع والكسب المادي المشروع لممارسة نشاطها وتطوير مسؤولياتها، عبر حق الاستثمار وحق بيع منتجاتها - وفق المشاع والمتعارف عليه - وكذلك والأهم وهو حق انتخاب إدارتها ولجانها بعد كل فترة زمنية معلومة لضمان الارتقاء وتلاقح الأفكار وتجديد العقول والدماء. وبهذا نكون قد ضمنا جهة واحدة مسؤولة عن جميع أدوات الفكر والوعي والذائقة لتسهم بفاعلية في بناء الشق الفكري للدولة بما يليق بوطننا وطموح قائدنا.

جمعية المرأة العُمانية:

لاتزال ثقافة الجمعية ومهامها الرسمية تعيشان خارج زمن وسنن التطور التي تعاقبت على سلطنتنا الحبيبة من عمر نهضتها المباركة.

حيث لم تنجح الجمعية ولم يُقدر لها أن تتحول لمنظومة مجتمعية متكاملة يلتف حولها الجميع ويُسهمون فيها ويدعمونها ويستفيدون منها، وعلى أقل تقدير منظومة الأسرة الزوج والزوجة والأبناء (الثقافة الزوجية، تربية الأبناء، الزوجة المثالية ...إلخ)، رغم انتشار الجمعيات وتمتعهن بمواقع وممكنات لابأس بها من حيث التجهيز والجاهزية والنشاط. وماهو مطلوب وحثيث اليوم هو أن تعاد النظرة الشاملة للجمعية ودورها ورسالتها تجاه المجتمع وتهيئتها بالآليات والوسائل الناجعة لتحقيق ذلك، يضاف إليه ضرورة إطلاق العنان للتنافسية بين الجمعيات ورفع سقف المحاذير عنهن احترامًا للعقل والإبداع ومراعاة لسنن التطور وإذعانًا للواقع وللدور المرجو منها. بلاشك أن تطوير الجمعية والنهوض بها شكلًا ومضمونًا سيجعلها جاذبة لكل المتخصصين والمعنيين والمشتغلين بالشأن العام، للإسهام في رسالة الجمعية وبسط ثقافتها بين كافة الشرائح، ومُساعدة الدولة في نشر الثقافات المضادة لكل مظاهر الثقافات السلبية (التفكك الأسري والتسرب المدرسي وغياب قدسية الحياة الزوجية وغيرها من المظاهر الاجتماعية) بصور فعَّالة ومدروسة ومُعززة بعمق وعلمية ووعي، وهذا مانرجوه ويرجوه المجتمع ويتطلع إليه عبر هذه الجمعية.

المؤسسات التمويلية:

لا تزال المؤسسات التمويلية لدينا تعمل بعقلية المصارف والربح وتجنب الخسائر، رغم أنّ دورها ورسالتها تجاه الدولة والمجتمع هو غرس مفاهيم وثقافة العمل الحر وبسط وإشاعة الاقتصاد الاجتماعي، والتخفيف عن كاهل الدولة في التكدس الوظيفي، واستيعاب أكبر عدد ممكن من الباحثين عن العمل، وهذا بطبيعة الحال يتطلب إعادة هيكلة فكرية وإدارية وتشريعية لهذه المؤسسات إذا أُريد لها تحقيق تلك المفاهيم وغرسها، والنهوض باقتصاد مجتمعي حقيقي يخفف الكثير من الأعباء عن كاهل الدولة ويُسهم بفاعلية في السلم المجتمعي والأمان والاستقرار الوظيفي.

فقد أصبحت الحاجة اليوم لتلك المؤسسات ضرورة قصوى لخلق فرص عمل وثقافة العمل الحر، في ظل التكدس الوظيفي والتهيب من العمل الحر كثقافة جديدة على الفرد والمجتمع، وذلك عبر إضفاء كل عناصر الجذب والأمان المالي والوظيفي للعمل الحر، بالاستشارة والمتابعة وتذليل شروط الرهن والتشريعات وتبسيط الإجراءات، مع ضرورة رفع سقف التوقعات بالمخاطر والخسائر والتعثر لهكذا تمويل، حيث لا جراحة بلا ألم، ولاغرس بلا مغامرة.

فمالم نتمكن اليوم من استمالة الشباب إلى هكذا ثقافة، عبر الإغراء والجذب وتذليل الصعاب وتوقع الخسائر، فلن نستطيع كسب الجيل القادم وستتعقد الأمور وتتعاظم المشكلات وتصبح فوق طاقتنا وخارج سيطرتنا، وهنا مكمن الخطر ولب المشكلةِ. فمن غير المعقول أن تعمل تلك الأنشطة الصغيرة والمتوسطة ويكتب لها النجاح في ظل غياب دراسات السوق والتوجيه الدائم لها، والأهم من كل ذلك هو ضرورة خلق منافذ تسويق داخلية وخارجية، وإيجاد حواضن كبرى لتلك المشروعات تتولى التسويق والشراء المنتظم على شكل تعاونيات أو شركات مساهمة كبرى موزعة وفق القطاعات المتخصصة لتلك الأنشطة وتقوم بدور الإشراف وتحسين الجودة ومنع الإغراق.

فوجود شركة تسويق للمنتجات الزراعية على مستوى السلطنة أو بكل محافظة كفيل بقيام آلاف الأنشطة الزراعية من المشروعات المتوسطة والصغيرة كخطوط إنتاج لها بصورة مريحة وجاذبة وآمنة، وكذلك الحال لشركات للأسماك والألبان ومشتقاتها، والدواجن، والثروة الحيوانية.

وهذا يتطلب من المؤسسات التمويلية التشجيع والترويج والدعم لقيام شركات مساهمة حاضنة لقطاع إنتاجي بعينه قبل التشجيع على قيام أنشطة صغيرة ومتوسطة لأيّ قطاع من القطاعات لضمان التسويق وتشجيع الشباب على خوض التجارب براحة وأمانٍ.

قبل اللقاء: دائمًا ما نتحدث عن ضرورة وأهمية ضخ الدماء الجديدة في الجهاز الإداري للدولة، ولكننا لا نتحدث مطلقًا عن ضرورة ضخ العقول الجديدة لنحدث نقلة نوعية ومعتبرة في هذا الجهاز الحيوي الهام. فالدماء الجديدة تذوب في المألوف لاحقًا، أما العقول الجديدة فتغير المألوف بما يليق بالعصر والمنطق.

وبالشكر تدوم النعم

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك