شموخ الكلمة.. ومبدأ التكاتف وتضافر الجهود

آمال الهرماسي

"ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها".. آية صدح بها القارئ لتعم أرجاء المكان لتزيد المطمئنين اطمئنانا، وهي موعظة للمتعظين.

بطلَّةٍ واثقةٍ مُطمئنةٍ شامخة حكيمة هادئة رصينة، أطلَّ حامل السلام والوئام على شعبه ليتم فرحة العيد في قلوبنا، وليبلغ رسالته التي عهدنا نستشرفها بشغف، ونقرأها بين السطور.. كلمة عددنا الدقائق والثواني تطلعًا لفحواها، وكتمنا الأنفاس لتدبرها.. ظهورٌ مُتجدِّد لقائد ثابت المبادئ، قويم المنهج، سامي التوجه موجز الكلم.. قائد خطط، وشرع، وبنى، وشيَّد وأعطى وتفانى، وظهر اليوم في عيد عُمان الخامس والأربعين وقد أرسى المبادئ وأوضح مسار السياسات، وعلَّم، ونصح، وأرشد، وشرح، ووجَّه، و"تابع عن كثب" ثمار ما صبت إليه نفسه، وتاقت إليه عزيمته، ورسمت له طموحاته، وأملت عليه أمانته، وخططت له درايته.

اليوم.. وقد نضج استيعابنا للفكر القابوسي الرشيد، واتضحت جلية مراميه للعالم بأسره فكيف بأبنائه، وارتفع صيت ثباته بين الأقطار فكيف بين أرجائه؟ وتداولت إنجازاته الدول فكيف ونحن حماته؟ اليوم.. وقد تبلورت مسيرة النهضة السامية بعد تخطِّي الصعاب وتجاوز الأزمات والتحديات، جاء القائد والأب ليختصر كل يُقال في مبدأ التكاتف وتضافر الجهود والتكامل من أجل التقدم ومن أجل التنمية المستدامة.

لم تعد عُمان الناضجة فكرا وتأسيسا بحاجة إلى قوى خارقة من أجل اللحاق بركب الدول المتقدمة، وليست بحاجة إلى مزيد من البُنى والخبرات الخارجية؛ فقد اكتمل تأسيسها على أرض صلبة وفق منظومة راسية المبادئ عميقة، واثقة البناء، لم تعد عمان العراقة والأصالة بحاجة إلى دعم وبناء، بل حان وقت الأداء والتكاتف والتكامل من أجل الازدهار والنماء المنشود.

رسالة الشموخ دلالة عن فيض من الخطوات حان الوقت لاتخاذها وبلورتها والسير على هديها، "شراكة مؤسسية واعية" هي العنوان الذي سيتصدَّر مسيرة هذا الوطن العزيز ليزيده عزة وبهاء؛ فإن قلنا واعية فلأن الوقت قد حان لتؤدي المؤسسات دورها في كنف لحمة وطنية متماسكة، واضعة نصب عينيها المصلحة العليا للوطن وتنميته المستدامة.

وقد جاءتْ الرسالة لمجلسي الشورى والدولة لتؤكِّد مَدَى هذا النضج وثبات هذه الخطوة من حيث تضافر الجهود الواعية المثقفة التي نبع ممثلوها من كبد الميدان ومن أرجاء أعماق المناطق والمحافظات، ومن اختلاف التخصصات ومن مختلفي المستويات؛ حتى لا يبقى لمعتذر عذر عن قصور في الموارد البشرية من أجل بلورة هذا التوجه السامي.

اليوم... اكتملت المنظومة، وجاء النداء صادحا للتشمير عن سواعد الكد والعمل البناء والرؤى الدقيقة وتحمُّل ضليع المسؤوليات، اليوم حان وقت كسر الحواجز المؤسساتية والأعذار البيروقراطية؛ فلا هذا يتحمل مسؤولية ذاك، بل الكل مسؤول أمام الوطن والله والمواطن، الكل مضطلع بأمانة البناء، لا تنتهي عهدة هذا عند باب ذاك، فلا مكان للأبواب وصدى طرقها بعد اليوم.. مبدأ واحد، مصلحة واحدة، هدف واحد لوطن وحيد فريد، لا تشوبه شائبة الأعذار ولا توقفه شعارات الاعتذار، ولا مكان فيه للتراخي والتباطؤ والتملص من مسؤولية الأداء ودقة الإنجاز.

كلمات ناصعة الفكر، واضحة الحرف، صادقة المعنى، نقية المحتوى، ترجمها صوت أثقلته الحكمة وجمله الصدق وزانته الروية وثمنته شفاه لم تنطق يوما إلا بصدق، ولم تعد إلا بإخلاص ولم تنبس إلا بحكمة وبعد نظر.. كلمات وإن قل عددها، فقد تعددت معانيها لمن تشبَّع قلبه وضميره بحب الوطن ومصلحته وضرورة التفاني في خدمته.. أربع ورقات لو وُزنت بأثقال الكون لوزنته؛ فقد خطتها أنامل حكيم وانتقاها فكر عظيم.. ونطقها سلطان عظيم، لا هم له غير مصلحة الوطن، ولا شاغل لديه غير راحة أبنائه، ولا راحة له إلا في نشر السلم ونثر الصفاء أينما حل ومضى.

حان الوقت من أجل ثقافة مؤسسية تتضافر فيها كل الجهود بلا استثناء؛ من أجل إذابة الحواجز وقهرها وتعزيز منابر الحوار وفتح نوافذ التكامل والانصهار، كتلة حب وغيرة وتفان وجدية وعمل وتضحية لا هدف في ذلك غير الوطن.

رجال عمان ونساءها، هنيئا لكم ولنا بهذا التوجه اللامتناهي الثقة في فكر نضج وسواعد باتت جاهزة لتحقيق الهدف الأسمى الذي يصبو إليه الفكر القابوسي الذي اعتنقناه بحب وقناعة، واتبعناه حُبًّا وكرامة، وسرنا على نهجه فارتفع اسم عمان شامخا حتى بات وجهة الحائرين وملاذ الخائفين وأمان اللاجئين، هذا الفكر لم يخطئ مرماه يوما ولم يعرف للتعثر دربا، ولم يشهد للأزمات وقتا، هذا الفكر الذي قادنا اليوم إلى عز المكانة واحترام الكينونة وتميز المواقف؛ فطوبى لنا ثمَّ طُوبى بثقة غالية ومسؤولية كبيرة قلَّدنا إياها حاكم العرب وحكيمهم من أجل تدبر أمرنا والنهوض بمؤسساتنا.

استبشري عمان خيرا؛ فاليوم اكتمل نصابك، لتعملي على نمائك بجهود أبنائك المخلصين الواضعين نصب أعينهم "لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها".. فإما البناء وإما لا، وإما العطاء وإما لا، وإما التكامل وإما لا، وإما الوطن وإلا فألف لا.

بُوركت سيدي قابوسا ونبراسا نهتدي به في متاهات أوقاتنا، وفي شتات أمرنا، وفي ضياع حيلتنا.. بُوركت سيدي قائدا حكيما أبا محبا وسلطانا عظيما نفخر بحكمتك وننتهج جميل مبادئك ونعتنق ثبات مواقفك.. بُوركت مولاي سراج أعيادنا المنير، وبهاء وطننا الجميل، وقرة عيننا كبيرا وصغيرا.

حفظك الله عمان، وحفظ الله عاهلك المفدى على طول الأزمان.

amel-hermessi@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك