مسقط - الرؤية

صدر مؤخرًا كتاب "الفتاوى النثرية لقاضي القضاة الشيخ عامر بن خميس بن مسعود المالكي ت 1349هـ/ 1928م"، من تحقيق بدر بن سالم بن حمدان العبري، وذلك بمناسبة نزوى عاصمة الثقافة الإسلامية.

وتشكل الفتاوى سجلاً مهماً للدّارسين عموماً، فهي لا يستغني عنها المتخصصون في الجوانب الشّرعية، بما تشكله من اجتهادات متعددة، ولما تحوي من أشباه ونظائر وتقعيدات يحتاج إليها الفقيه. كما أنّها أيضاً مادّة مُهمة لدارسي القانون، خاصة في مسائل القضاء، ومعرفة آلية وتطبيقات الحكم فيها في فترة لم تكن فيها مؤسسات واضحة، مع وجود التّقنين الفقهي بصورته العامة، فهو محتاج إليها لما تشكله في ذهنية رجل القانون والقضاء تأريخيا ومصدريا وتشريعا.

وتعد الفتاوى مادة خصبة لدارسي التّأريخ وحضارة الأمم، لما توثقه من أحداث مضت، تعطي في ذاتها تفسيرًا لبعض الحلقات المفقودة في حقبة معينة من الزّمان، فهي أقرب إلى شاهد العصر، حيث بها نحصل على إجابات مهمة في الجانب الفكري والحضاري لأيّ أمة من الأمم.

وحرص العمانيون منذ فجر التأريخ على تدوين فقههم العملي، وأقوال أئمتهم جيلاً بعد جيل، بداية من مدونة أبي غانم الخراساني، والذي دون بها أقوال شيوخه كأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ت 150هـ، والرّبيع بن حبيب العماني البصري ق 2هـ، وأبي المؤرج ت 205هـ، وعبد الله بن عبد العزيز ق 2هـ.

واستمرت السّنة العملية وظهر لنا في القرن الثّالث الهجري جامع ابن جعفر ق3هـ، وهكذا حتى ظهرت المدونات الكبرى كقاموس الشّريعة للعلامة جميل بن خميس السّعدي ت 1279هـ / 1862م في اثنين وتسعين مجلدًا، وبيان الشّرع للعلامة محمد بن إبراهيم الكندي 580 هـ - 1115م في اثنين وسبعين مجلداً، وغيرها.

وفي القرون الهجرية الأخيرة اهتم العمانيون كثيرا بمسألة الجوابات وتدوينها وحفظها، كجوابات المحقق سعيد بن خلفان الخليلي ت 1287 هـ، والّتي طبعت في كتاب تمهيد قواعد الإيمان، وجوابات الشّيخ العلامة السّالمي ت 1332هـ، وجوابات الإمام محمد بن عبد الله الخليلي ت 1373هـ، والشّيخ صالح بن علي الحارثي ت 1314هـ، وغيرها كثير، لا يمكن حصرها هنا لضيق المقام.

والشّيخ العلامة عامر بن خميس المالكي - صاحب هذه الجوابات - كان يشكل منزلة علمية كبيرة، خاصة بعد وفاة شيخه السّالمي ت 1332هـ، فهو بمنزلة قاضي القضاة، وكان المقدّم عند الإمامين سالم بن راشد الخروصي 1338هـ، ومحمد بن عبد الله الخليلي ت 1373هـ.

وعليه سيكون المنبع الّذي يبذل النّاسُ الغالي والنّفيس للاستسقاء منه في حلّ مشكلاتهم وقضاياهم المتجددة، وهذا يظهر من خلال هذه الفتاوى.

ولقد حاول البعض تدوين بعض جواباته وحفظها في ملف، ومن هؤلاء الشّيخ سالم بن حمد الحارثي ت 2006م، وحفيد صاحب الجوابات الشّيخ سالم بن حمود المالكي. وحاول المحقق تجميع هذه الفتاوى المتناثرة، مع علمه أنّها أقل بقليل مما وجد، ولكن من باب ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه.

وتأتي الفتاوى ضمن السّلسلة الكاملة لتراث العلامة المالكي؛ حيث خصص العدد السّادس عن الفتاوى النّثرية، وقد سبق أن طبع العدد الأول من السّلسلة، والّذي يتضمن كتاب غاية المطلوب في الأثر المنسوب.