تسريح الموظفين العمانيين.. قضيةٌ تبحثُ عَن حلٍ!

سلطان الخروصي

إعلان الاتحاد العمالي لقطاع النفط والغاز بالسلطنة، اعتزامه التوقف عن العمل استنادا إلى المادة (107) من قانون العمل العماني، والذي أشار إلى شرعية تنفيذ الإضراب عبر التنسيق والتنظيم مع الوزير المسؤول، وجاء نص المادة حرفيا "يصدر الوزير قراراً بتنظيم المفاوضة الجماعية التي تتم بهدف حسم النزاع العمالي الجماعي أو تحسين شروط وظروف العمل أو رفع الكفاءة الإنتاجية وتنظيم الإضراب السلمي أو الإغلاق"، يضعنا في صورة المشهد، وأمام ضبابية الصورة التي يتحدّث بها البعض حول مناطق الامتياز والأزمات المتواترة، نتساءل عمّاهية تلك الأحداث وتفاصيلها التي قد تدفع شريحة كبيرة من العمالة الوطنيّة بقطاع النفط والغاز بالعودة إلى المربع الأول حيث إضرابات (2012) والتي كبدت الدولة خسائر نتيجة لتوقف كثير من شركات الإنتاج وبعض شركات العقود الداعمة، فلماذا وصل الوضع إلى طريق شبه مسدود؟ خاصة في ظل تواتر قوائم الاستغناء عن العمالة الوطنيّة للجهات المعنيّة بالقطاع العمالي ممثلة في وزارة القوى العاملة والقطاع الإنتاجي ممثلة في وزارة النفط والغاز.. فهل يجيز قانون العمل العماني لشركات العقود أو الإنتاج الحرية في إصدار مثل هذه القرارات أم أنّه عكس ذلك تمامًا يحمي العامل العماني من سياسة "ليّ الذراع" بين الشركات والحكومة فيجعله في منأى عن تلك التفاصيل المزعجة؟.

أسئلة كثيرة يجب أن تُطرح على طاولة الحكومة وإعادة قراءة مواد قانون العمل العماني وكذلك إمعان النظر في وضع الأُطر القانونية والحقوقية لمنظومة الاستثمار الأجنبي في أهم قطاع حيوي تعتمد عليه الدولة، وحتى نُقرِّب الصورة أكثر دعونا نناقش حيثيات القضيّة التي أضحت تشغل الرأي العام حول (تفنيش) - تسريح- مجموعة غير قليلة من القوى العاملة الوطنية والتي وصلت حتى اللحظة وفق البيانات الصحفيّة المنشورة إلى ما يزيد عن 881 والعدد قابل للزيادة؛ مما يعني إضافة بعد آخر للأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد جراء التراجع الحاد في أسعار النفط، وهو كذلك تملُّص عن الدور المنوط بهذه الشركات لتحقيق الشراكة مع الحكومة في التنمية والتطوير واستيعاب الكوادر الفنيّة والهندسيّة العمانيّة، وبتمعّن لحيثيات القضية فإنّ الشركات برَّرت أن تصرفها مبنيٌّ على مؤشرات (قد) تهدد مصالحها وتضر بأصولها المالية أمام انحسار القيمة السوقية للنفط؛ وبالتالي فهي ليست مسؤولة عن الموظفين إن كان الأمر يتعلق بمعادلة الربح والخسارة، وكأن لسان حال تلك الشركات يقول: "بما أنني كشركة - والمعني هنا شركات العقود التي تقدم الخدمات والدعم للشركات التي تدير الحقول- قد أتعرض للخسارة فلا أحد يُعاتبني على حماية مصالحي أيّاً كان الثمن!"، على الرغم من أنّ شركات العقود تتلقى دعمًا سخيًا وتسهيلات مهولة من الحكومة في سبيل استيعاب أكبر شريحة من العمالة الوطنية المُجيدة والتي يحمل بعضها شهادات مرموقة وخبرات متراكمة، وما تلك التسهيلات المقدمة إلا عربون ثقة تقدمه الحكومة لهذه الشركات حتى تكون رافدًا أساسيًا في مسيرة البناء والتنمية للدولة الحديثة، لكن من يتتبع خيوط القضية يجد أنّ هذه الشركات تعمل بحرفيّة متناهية الدقة للحصول على مكاسبها سواء من خلال العقود الطبيعية المبرمة مع شركات الإنتاج سواء المستثمرة من الخارج أو المملوكة للحكومة، وإما من خلال سياسة ليِّ الذراع عبر التلاعب بورقة العمالة الوطنية والتهديد بالاستغناء عنها إن لم تحصل هذه الشركات على عقود بذريعة تعويض الخسائر التي (قد) تتكبدها أمام تراجع سعر النفط.

حقيقة الأمر فإن دراسة هذه القضية بحاجة إلى تروٍ والعودة للمربع الأول عبر قراءة مسيرة الإضرابات التي اندلعت في مناطق الامتياز منذ العام 2012 وما تلاها من قرار وزير القوى العاملة الذي نص على (منع) أي شكل من أشكال الإضرابات العمالية التي تطالب بتحسين ظروف العمل وتحقيق متطلباتهم وحقوقهم وقد تجلّى ذلك المنع في القرار الوزاري (757/2015)، والمُتمعّن لمسيرة الإصلاح العمالي بقطاع النفط يجدها مطالب مشروعة جدا من خلال إيقاف عملية التسريح الجماعي للعمالة الوطنية بحجة انخفاض أسعار النفط مقابل الدعم اللامحدود المقدم لها من الحكومة عبر الإعفاءات الضريبية في مختلف المجالات، والتسهيلات اللوجستية المتشعبة والتي تدفعها للاستثمار الناجح والربح السريع، كما تمثلت مطالب الاتحاد العمالي لقطاع النفط في إلغاء القرار الوزاري حول منع الإضرابات والعودة لقانون العمل العماني الذي نص عليه المرسوم السلطاني (35/2003) والذي خوَّل الوزير بتنظيم الإضرابات العماليّة السلمية وليس منعها، إضافة إلى إنشاء المحاكم العماليّة المتخصصة للبتِّ في القضايا العماليّة بأسرع وقت؛ كما يطالب الاتحاد بإعادة صياغة قانون التأمينات الاجتماعيّة؛ بحيث تتضمن حق العمالة الوطنية في توفير الحماية الاجتماعية في حال تعطلهم عن العمل، وأحقيّة المساواة بالامتيازات التقاعدية مع القطاع العام وبعض مؤسسات القطاع الخاص باعتبار أنّ نسبة كبيرة من شركات الامتياز تملكها الدولة.

ومن الملاحظ أنّ تلك المطالب هي مشروعة ومنطقيّة أمام الطفرة العصرية للدولة، لكن وفي قضيتنا هذه نرصد هدوء للجهات المعنيّة في التعامل مع تسريح هذا العدد غير القليل من العمالة الوطنية ولربما يزداد العدد في قادم الأيام، وهنا نتساءل أليس للجهات المعنيّة والمرتبطة ارتباطا وثيقا بهذه القضية موقفا حازما تجاه هذه القضية؟ وهل هذه الشركات بالفعل تسرح العمالة الوطنية بسبب الخسائر أم لتقلص الأرباح عمّا كانت عليه سلفا؟ وأخيرًا محاولة وضع الحكومة بين خيارين فحسب إمّا توفير عقود جديدة تستنزف ميزانية الدولة والبقاء على أرباح الشركات أيَّا كانت الظروف، أو تسريح العمالة الوطنية وزيادة نسبة البطالة!!

ألا يستدعي ذلك إعادة النظر في بعض مواد قانون العمل العماني والتي جاء بعضها عموميًا يفسح المجال للشركات بأن تؤوِّلها كيف تشاء ومنها المادتان (37، 47)؟ الجميع يُثمِّن دور مجلس الوزراء الموقر في استشعار حجم هذه القضية حينما دعا إلى ضرورة إبلاغ الجهات المختصة والمتمثلة في وزارة القوى العاملة ووزارة النفط والغاز قبل تسريح العمالة الوطنية، وقد تكون الشركات قد عمدت إلى إرسال قوائم طويلة للجهات المختصة بنيتها الاستغناء عن عشرات الأسماء وربما يعقبها مئات منهم دون أن تكون هناك سلطة إلزاميّة تفرض عليها الحفاظ على المعادلة الاجتماعية واستثمار العامل الوطني في هذا القطاع الحيوي، والسؤال الذي يُطرح في نهاية هذا المقال هل الجهات المعنيّة على استعداد لاستقبال أرقام جديدة تضاف إلى رصيد الباحثين عن العمل أمام شبه تخلٍ من الشريك الآخر حول استقطاب العمالة الوطنية والتي طالما دعا لها عاهل البلاد بأن يكون الساعد المعاون في بناء الدولة؟ ألسنا بحاجة إلى إيجاد تفاصيل دقيقة جدا في قانون العمل العماني تحفظ حق الوطن والعامل والمُستثمر بما يحقق الصالح العام؟.

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك