آخر صيحة.. حماية دولية!

فؤاد أبو حجلة

بعد أكثر من شهر من الإعدامات الميدانية لأبناء وبنات فلسطين بسلاح "أعداء الأمة"، وبعد ارتقاء أكثر من ثمانين شهيدا وشهيدة في الأراضي المحتلة وإصابة أكثر من ألف فلسطيني برصاص وغاز جيش الاحتلال، تحركت الأمة، وهب وزراء خارجية النظام العربي لبحث التوتر في الأراضي الفلسطينية، واجتمعوا ليوجهوا دعوتهم الكريمة إلى العالم لتوفير حماية دولية للشعب الفلسطيني!

لا قرارات واقعية لتعزيز صمود الفلسطينيين على أرضهم، ولا إجراءات ضاغطة على إسرائيل ورعاتها، ولا تفعيل للاتفاقيات الورقية القديمة التي تلزم أعضاء الجامعة العربية بـ"الدفاع المشترك".. مجرد دعوة للعالم بتوفير حماية دولية للمستضعفين في فلسطين، وتلميح إلى نشاط دبلوماسي في الأمم المتحدة لكشف الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.

النظام الفلسطيني الذي يتمسَّك بعضويته الفاعلة في النظام الرسمي العربي شارك في المهرجان، وألقى وزير خارجيته خطابا رنانا أطرب آذان من كانوا يستمعون إلى هذه المرافعة الأنيقة في الدفاع عن حق الفلسطينيين في عدم الموت قتلا!

في ذات التوقيت الذي كان فيه العرب يحاربون إسرائيل باللغة، كان مجرم الحرب الذي يقود دولة الاحتلال يبتز رئيس أمريكا للحصول على المزيد من الدعم العسكري والأمني والاقتصادي الأمريكي الذي يمكِّن إسرائيل من المضي في جرائمها تحت غطاء سياسي يفرضه الأمريكيون بالتهديد والوعيد لمن يغامر في إزعاج نتنياهو وقطعان مستوطنيه.

كان الحد الأدنى الأدنى الذي يريده نتنياهو هو ضمان بقاء الولايات المتحدة في موقع الراعي الرسمي للجريمة التوراتية، وقد حقق هدفه وحصل من أوباما مرة أخرى على اعتراف بـ"حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها".

وكان الحد الأقصى الذي يريده النظام العربي هو الحصول على إذن بطلب الحماية الدولية، وقد حقق هدفه وأعلن عن نيته توجيه الدعوة التي لن يستجيب لها أحد!

ربما لا نضيف جديدا في وصف دور النظام العربي ومؤسسة الجامعة؛ فقد اتضح هذا الدور وانكشف عجز الجامعة منذ احتلال العراق قبل أكثر من عقد من زمان العجز العربي، لكن ما يستفز هو الاهتمام المبالغ فيه باجتماع وزراء الخارجية العرب، وتصوير اللقاء وكأنه فتح عربي تاريخي وانتصار كاسح!

لكن، دعونا نكون واقعيين، ونعترف بأن العرب لا يستطيعون فعل الكثير في سياق المواجهة، وهم منشغلون الآن في مشكلاتهم الداخلية بما يحول دون المبادرة إلى قرارات وإجراءات فاعلة ضد اسرائيل. ومن يراجع المواقف العربية خلال المراحل السابقة قد يستنتج أنَّ هذه المشكلات الداخلية كانت قائمة ومشتعلة طيلة السبعين عاما الماضية من عمر الصراع، لأن العرب لم يفعلوا شيئا ذا قيمة حقيقية في هذه العقود السبعة.

هل هم عاجزون فعلا عن المبادرة؟

من يتفذلكون على شاشات التليفزيون ويجتهدون في البحث عن مبررات موضوعية للعجز العربي في فلسطين، عليهم أن ينظروا حولهم ليتأكدوا أن النظام الرسمي العربي الذي يتجنب المواجهة مع العدو الأخطر فلسطين هو ذات النظام الذي يخوض الحروب ويمولها في أكثر من بلد عربي بما يتفق ويتسق مع الرغبة الأمريكية في حرق تراب العرب.

يخوض العرب الآن حروبا في سوريا وفي اليمن وفي ليبيا، وقد خاضوا الحرب ببسالة في العراق دعما لقوات الاحتلال الأمريكي. لكنهم يستنكفون عن التفكير في حرب مع اسرائيل.

ليس هذا استنتاجا تحليليا خطيرا، بل حقيقة بديهية يعرفها الصغير قبل الكبير في شوارع القدس وكل عواصم العرب، وهي حقيقة يخجل منها أهل فلسطين وأشقاؤهم المحكومون بأنظمة تحارب بعضها وتحارب شعوبها بالسلاح وبالعصابات الإرهابية الظلامية وبالبراميل المتفجرة وبمليارات الدولارات المصروفة على مشاريع تقسيم البلاد.. وتحارب إسرائيل بالخطابات وبالدعوات إلى توفير الحماية الدولية لأبناء فلسطين.

نتابع وننتظر.. ونأمل بتلبية الدعوة إلى هذه الحماية، لأن عرب فلسطين يحتاجون إلى حماية من الغريب لتعويض خذلان القريب.

تعليق عبر الفيس بوك