كاتب على باب الله!

ليلى البلوشية

مجلة ثقافية تنشر فيها مقالة أو قصة أو دراسة أو بحث دون أن تحصل على مردود مادي مقابل نشرك، مقابل جهدك الفكري والأدبي، ثم تجد نفسك فوق كل ذلك مطالب بشراء هذه المجلة التي كنت أنت وغيرك من الكتّاب/ الكاتبات سببا أساسيًا في مبيعاتها في دور النشر والمتاجر والمكتبات، فأين العدل وأين الإنصاف، أين القانون الذي يصون حقوق الكاتب؟!

يحدث هذا الأمر كثيرا، مرارا و تكرارا في عالمنا العربي، يحدث دائما، ينسى كثيرون بل يتناسون عمدا واعتباطا بأن أجر الكاتب في استحقاقه كأجر العامل في حقل العمل، الأمر سيان، كثير من المجلات والصحف تؤجل دفع مستحقات الكاتب كما تؤخّر بعض الشركات دفع أجر العامل، صحف ومجلات أخرى تنسى مسألة الدفع المادي ولا تعد ذلك مشكلة تستحق التفكير أو حتى الاهتمام، بينما البعض يأكل أجر الكاتب دون أن يؤنّبه ضميره بل ينام نومة الظالم مرتاح البال دون أن يبالي و لو قليلا بالحق المهضوم للكاتب حتى لو كان مبلغا رمزيا، صاحب الشركة مطارد بالقانون وثمة قانون يحفظ حقوق العامل؛ لذا يضطر حين يكون مفلسا أن يبيع حتى ملابسه لدفع أجور العمال حماية لنفسه من العقاب القانوني، و لكن على الكاتب، الكاتب وحده حين تعاني المجلة أو الصحيفة من الإفلاس أو تغلق لأسباب لا حد لها في عالمنا العربي، فإن عليه أن يكون كائنا مثاليا، و يسقط أمر حقوقه، المجلة مفلسة واعتذار مدير المجلة أو الصحيفة هو بمعنى اسقط حقوقك المادية أيها الكاتب لا مستحقات لك عندنا، طالما لا يوجد قانون يحفظ حقوقك أو يهتم بها، فلماذا أبالي بها أنا مدير المجلة المفلس؟!

"أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه" هل فكر يوما مدير مجلة أو صحيفة أن الحديث النبوي يشمل الكاتب وأجره أيضا؟

الكاتب كأي آدمي على وجه الأرض لديه مسؤوليات حياتية، فالمسألة هي مسألة مبدأ، لكن هذا المبدأ يعاني من خلل فظيع في مجتمعات ترى أن عدم دفع أجر العمال نظير عملهم في إحدى الشركات أمرا مستهجنا ولكن في الوقت نفسه لا أحد يستهجن ضياع أجر الكاتب؟

إذا كان مدير المجلة أو رئيس تحرير الصحيفة هو كاتب أيضًا ولا يرى بأسا في إهمال الأجر المادي للكتاب ناهيك عن إهمال جهده الفكري فكيف يمكن أن نلوم المجتمع؟!

المجتمع المغرم بالمسلسلات وأفلام السينما وبرامج الحوار وكليبات الفنانين والفنانات ويطرب مع كلماتهم وينتشي بها وكلها تظهر حشدا من النجوم، النجوم الذين يتعلق بهم ويكون ضمن الملايين يتابع أخبارهم على وسائل التواصل الاجتماعية، تتمظهر ثقافة ظهور النجوم، وينسى الجمهور وينسى المجتمع أن الكاتب هو من كتب تلك الكلمات لأغنيته المفضلة بصوت فنانه المفضل، وأن الكاتب هو من كتب سيناريو المسلسل العظيم الذي يتابع حلقاته بشغف، وأن الكاتب هو من فكر وأطلق كافة طاقاته الخيالية منها والواقعية في كتابة الفيلم السينمائي الذي حاز على جوائز، كل هذه المرئيات والبصريات وراءها كاتب، لكن من يبالي بالكاتب، لا يكفي أنّه وراء الكواليس بل حتى أنّ أجره لا يتعدى بضع نتف تقدم له لا يقارن البتة بأجر الفنان الذي يجني الملايين، يحدث هذا فقط في عالمنا العربي؟

من كرّس هذه الثقافة الدونيّة تجاه الكاتب وجهوده وأجره؟ من جعل هذه الثقافة تتفشى؟ هل فكر أحد يومًا ما أنّ الفنان والممثل والنجم ينتهي أمره تمامًا حين لا يكون ثمة كاتب خلاق أو مؤلف سيناريو جيد، هل كان لمسلسل "قلم حمرة" أن يحظى بالشهرة والقبول العربي الكبير من قبل جمهور المتابعين لولا فكر وجهد كاتبة السيناريو "يم مشهدي"؟

الكاتب الذي يرفع صوته في مظاهرة رفع أجور العمال الغلابة في وطننا العربي، العامل الأجير الذي يهضم معظم حقوقه، الذي تؤّخر أجوره، الذي يعاني بسبب الأزمات الاقتصادية وجشع الرأسماليين، الذي يموت يوميا مقابل ضخ أسرته بالحياة على حساب نفسه، الكاتب نفسه عاجز عن المطالبة بحق رفع أجره ككاتب حين ينشر مقالة أو قصة أو دراسة، كيف يحق له أن يطالب بهذا إذا كانت حقوقه المادية مأكولة، إذا كانت حقوقه مسقوطة أصلا؟!

Ghima333@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك