كيف صُنعت ظاهرة أردوغان!؟

علي بن مسعود المعشني

رجب طيب أردوغان:‏ (ولد في 26 فبراير 1954)، هو رئيس تركيا الثاني عشر والحالي منذ 28 أغسطس 2014م، ورئيس وزراء تركيا من مارس 2003 حتى أغسطس 2014 وقبل هذا كان عمدة مدينة إسطنبول التركية من 1994م إلى 1998م، كمرشح لحزب الرفاه الإسلامي بزعامة نجم الدين أربكان. وعضو حزب العدالة والتنمية الذي أسسه عام 2001م، والذي يملك غالبية مقاعد البرلمان التركي اليوم.

سيبقى أردوغان وشخصيته الشغل الشاغل للنّاس لزمن غير قصير، بسبب الآلة الإعلامية الضخمة التي رافقته وستبقى تُمجِّده حتى بعد رحيله عن السياسة أو الدنيا كون أردوغان ظاهرة يراد لها الرسوخ في الأذهان مُقابل قامات أخرى يراد تدميرها وتحطيمها في العقول والبناء على أنقاضها شخصية وظاهرة اسمها رجب طيب أردوغان.

مشكلتنا كعرب معاصرين لا تكمن في أننا ظاهرة صوتية كما أرادنا المفكر عبد الله القصيمي، بل إننا مولعون بالظواهر الصوتية إلى حد الثمالة، والمشكلة الأدهى أننا قوم نتوقف عند الخبر ولا نتعداه إلى ما وراء الخبر وهو الأهم.

فلكل ظاهرة أو مخطط هدفان، هدف قريب يراد به الإلهاء، وهدف بعيد وخفي يراد تحقيقه وهو الأهم، ولا يدركه إلا الراسخون في العلم.

سر اهتمامنا بظاهرة أردوغان كونها ظاهرة تتعدى الجغرافيا التركية وكما هو مخطط ومرسوم لها، إلى المحيط العربي والإسلامي، في زمن الجدب الفكري والتنموي لهاذين المحيطين ولمباغتتهما بالنموذج الأردوغاني قبل استفاقتهما واختيارهما لنموذج وطني خاص بهما ومن نسيجهما الثقافي والديني، الأمر الذي لن يروق للغرب الخصم التاريخي للحضارة العربية الإسلامية.

وكان لابد لهذه الظاهرة من الإحماء أولًا في الجغرافيا التركية قبل الانطلاق إلى الدوائر الأوسع وإثارة الجدل والإعجاب معًا.

فقد كان المخطط تصدير فائض الإعجاب و"الإعجاز" الأردوغاني إلى خارج تركيا للزوم تسويق النموذج وترسيخه في العقول المنبهرة والقلوب الوجلة بفعل توهان بوصلة الاقتداء والاهتداء بنموذج تنموي ومشروع نهضوي للأمة.

لاشك أنّ رجب حلم بتركيا نموذجية في تنميتها الداخلية بفعل رضا الغرب وفتح خزائنه وخزائن حلفائه كذلك للمد الأردوغاني المتوقع والمرسوم، ولكن أردوغان حلم بما هو أوسع وأبعد من تركيا وحلّق في سماء التاريخ وعرش إمبراطورية أجداده الضائع فأراد الخروج مرارًا عن الدور ولكنه فشل كون الكبار يعرفون ما يريدونه له ومنه بالدقة والزمن، ولن يسمحوا له أو لغيره بغير ذلك.

فدور رجب هو تركيا ودور أردوغان هو فصول ماسمي بالربيع العربي فقط، وبانتهاء الدور لن يعود هناك رجب ولا أردوغان على الساحة.

بكل مقاييس ومعايير التنمية والاقتصاد، يستحيل تحقيق ما حققته حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا خلال عمرها الذهبي والطفرة والمتمثل في الأعوام الستة الأولى من حكمها، وبممكنات تركيا وثرواتها الطبيعية والبشرية، دون تدخل عوامل وظروف خارجية استثنائية، ولنا في تجارب ماليزيا وسنغافورة مثالان على نهوض الأوطان بقدراتهما ومقدراتهما، حيث تطلبت التجربتان ربع قرن من الزمان للنهوض والرسوخ، وكذلك كان حال كل من تجربتي كوريا الجنوبية واليابان بعد الحروب المدمرة والتقسيم المعروف.

واحتاجت الهند كذلك إلى خطط عشرية للأمن الغذائي بدأت بواكيرها الأولى منذ عهد الزعيم جواهر لال نهرو وتولت رعايتها بقوة ابنته وخليفته أنديرا غاندي لتحقق الهند مخططها وتجني مبتغاها في نهايات السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن المنصرم، ولتنطلق بعد ذلك إلى رحاب آفاق قطاعات تنموية أخرى كالعلوم بأنواعها والطب والتقنية على وجه الدقة.

المعجزة الوحيدة في عصرنا والتي يجب الإشادة والإعجاب بها هي تجربة الرفيق لولا داسيلفا في البرازيل، والذي نقل بلده خلال (8) أعوام من أكبر دولة مدينة في التاريخ إلى ثامن اقتصاد في العالم، وهذا تطلب من الرفيق لولا إعادة هيكلة البلاد وترتيب أولوياتها التنموية وتوظيف مقدراتها الطبيعية والبشرية الهائلة ومكافحة آفتي الفساد والفقر، فحدثت المعجزة في زمن اللا معجزات.

وبالعودة إلى أردوغان لابد لنا من طرح تساؤلات منطقية على حقبته وهي:

س1: لماذا خرج أردوغان على حزب الرفاه الإسلامي وأستاذه المناضل نجم الدين أربكان لتأسيس حزب إسلامي آخر رغم فضلهم عليه برئاسة بلدية إسطنبول وبريق نجمه !؟

س2: هل صحيح أن الرفاه وأربكان رفضا دور أردوغان والعدالة والتنمية المعروض عليهم من الغرب لتحقيق إستراتيجية الشرق الأوسط الجديد عبر الربيع!؟ ولهذا انسحب أردوغان ورفاقه وشكلوا حزبهم "المعجزة" !! .

س3: ما سر سياسة "صفر" مشاكل وأفيون العمق الإستراتيجي اللتين أطلقهما أوغلو في زمن تسويق "المعجزة " الأردوغانية!؟

س4: ما سر هوس أردوغان بالسلطة وتقلبه في المناصب وحرصه على تغيير القوانين وتعديل الدستور مستغلًا الأغلبية في سبيل بقائه وحزبه لأطول مدة ممكنة على عرش تركيا!؟ بينما تنحى محاضر محمد ولي كوان السنغافوري ورفض داسيلفا الرغبة الشعبية الجارفة للتجديد له لعهدة ثالثة!!.

س5: هل يُعقل أنّ كل من تعاقبوا على حكم تركيا لم يكونوا بوطنية أردوغان وبصيرته أم الظروف الموضوعية والمهام الموكولة تغيرت لصالح أردوغان دون من سبقوه!؟

س6: لماذا مطلوب منّا ومحكوم علينا الانبهار بأردوغان وتجربته، وليس بتجربة إيران ونموذجها التنموي المقاوم، ولا بماليزيا ونموذجها التنموي المُتميز ولابسنغافورة ولا بأندونيسيا ولا بالبرازيل ومعجزتها ولا بالهند !!؟.

ما لم يعد سرًا اليوم هو أن تركيا أردوغان هي عين الغرب وحواسه لتمرير الربيع ومخطط الشرق الأوسط الجديد بفصله المستحدث عبر الثورات المخملية، لهذا رفع عنها العتب في قمع الحريات والفساد وقمع المتظاهرين وإغلاق الصحف والمحطات المناوئة للحكم في سبيل ديمومة منظومة أردوغان وثقافته.

وفي الانتخابات الأخيرة تجلى بوضوح أصابع الخبراء الغربيين في الانتخابات وصنع الرأي العام وتحفيزه لصالح أردوغان كون المهمة لم تنته بعد، ووصول المعارضة يعني نسف المخطط والأمل الغربي قبل قطف ثماره، لهذا استبسل الغرب في دعم صنيعته أردوغان بالمال والآلة الإعلامية الضخمة وبث الإشاعات في الشارع لتحفيز الرأي العام وتخويفه من المستقبل القادم على يد المعارضة وجعل الشعب يلتف حول مجنون يعرفونه خير من عاقل مجهول. ورغم كل ذلك فقد انتصر رجب أما أردوغان فهو يحتضر كجده عبد الحميد وسيغادرنا بعد مؤتمر فينّا كما غادر أجداده بعد مؤتمر لوزان.

مشكلتنا كعرب ليست مع رجب، بل مع أردوغان وأحلامه الوردية وعلى حساب تاريخنا ومقدراتنا ودمائنا. وهذا ماحذّر منه الزعيم الراحل مُعمر القذافي عام 2008م، حين أرسل ملفاً سرياً للحكام العرب حينها يحذرهم من الدور التركي المخطط للوطن العربي، ولكن لاحياة لمن تنادي.

قبل اللقاء: إذا أردت أن تصنع أردوغان فما عليك سوى البحث عن شخص ذي طموح قاتل وكاريزما تكتيكية يبحث عن عرش بأيّ ثمن، وبمواصفات ميكيافيلية ويتمتع بوصولية وانتهازية واضحة.

وبالشكر تدوم النعم

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك