الشورى بين التوريث و(النخبة)..

مسعود الحمداني

إنّ الشورى كتجربة ناشئة في السلطنة، تتأثر كغيرها بالوضع الاجتماعي العام، وهي تركيبة ديموغرافية، وسيسيولوجية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمحددات التعامل (البيني) بين أفراد المجتمع الواحد، ولذلك تحتاج إلى تغيير جذري في سلوكيات الأفراد، وكذلك في البُعد النفسي الذي تستند إليه عبر مسارها الزمني، مما سينعكس إيجابًا نحو تعميق مُغاير للفهم الديموقراطي، والممارسة الحيّة للشورى، وهذا لن يتأتى إلا عبر عملية (غسيل دماغ) للكثير من المفاهيم التي تستند إلى القبلية، والمحسوبية، والنفوذ الشخصي للأفراد والتي تأتي إما عن طريق سلطة رأس المال أو القبيلة، أو أحياناً العائلة، أو غيرها من الأمور..

لا شك أنّ تكوين (عائلات) تشتغل في السياسة أمر وارد في كثير من الدول، ومثالها الحي عائلة كيندي وعائلة بوش في الولايات المتحدة الأمريكية، وعائلة غاندي في الهند، وغيرها في دول أخرى، وهذا أمر لا غبار عليه، إذا ما تمّ التعامل معه على أساس أنّه حق مكتسب لكل مواطن، سواء كان هذا المواطن فرداً، أو مجموعة، غير أن ما يُخشى على هذا الطرح هو: استغلال هذا المنصب لتحقيق مكسب شخصي لا يخدم المجتمع والوطن بشكل عام، وكذلك تحويل هذا المشروع إلى (لوبيات) تمنع غيرها من الوصول إلى حقها من المشاركة في العملية الديموقراطية، وذلك عبر طرق عديدة يمارسها كثير من الناخبين في دول أخرى، ولا نتمنى أن نستوردها مستقبلاً، وهي تسيء بالتالي إلى مجمل العملية..

إنّ هذه الهواجس ليست من قبيل الخيال، أو أنّها نوع من (الفوبيا) التي لا مجال لها على أرض الواقع لدينا، بل تستند إلى بذور صغيرة، وغير ظاهرة بالشكل القويّ حاليا على الأقل، ولكنها واقعة في بعض الأحيان، والخشية هي أن تتحوّل عملية الترشّح والترشيح لمجلس الشورى إلى ما يشبه اقتسام (الكعكة)، بمعنى أن تتحوّل هذه العملية إلى عملية (توريث) للمنصب، وهذا أمر حاصل، ومُشاهَد، وملموس في بعض الأحايين، وفي مناطق وولايات مختلفة، وهذا التوريث، يأتي عبر طريقين: إما توريث عبر تكتلات قبلية، وإما توريث عائلي، يساعده في ذلك أفراد يمارسون حق الترشيح، ولكن دون وعي، ودون فهم، وحتى أحياناً دون إرادة، حيث يتحكّم رأس المال، في تسيير دفّة المرشّحِين، وهنا مكمن الخطورة، فكثير من ممارسي الترشيح أميّون، لا يعيرون اهتمامًا لمعايير وأسس يُفترض أن تكون مستوفاة في شخص من يرشحون، وبعضهم لا يدرك خطورة الأمر، لأنّ صوته مرهون مسبقا، ومغيّب، من قبل مرشَح معين، وهذا في حد ذاته خطر يهدد التجربة في الصميم، كون الترشيح لا يعكس وعي المواطن، بقدر عكسه للمحسوبية التي تفرضها عليه العادات والتقاليد الاجتماعية المتوارثة.

وفي المقابل نتساءل عن الدور السلبي الذي يلعبه مُعظم المُثقفين و(المستنيرين)، والذين لا يُعيرون هذه العملية الديموقراطية الهامة التفاتاً، ولأسباب مختلفة، ويكتفون بالانتقاد، ولعن الظلام، وبذلك يتركون فراغًا في (التوازن) الانتخابي، حين يتيحون لأكثرية أميّة ناخبة أن تسيطر على توزيع كراسي المجلس، حيث يكون الناخبون (غير المتعلمين والمسنون) هم الأكثر إقبالاً على عملية التصويت، وهي الفئة التي يستهدفها المترشح بشكل كبير، وهي مجموعات لا تعي ـ لحد الآن ـ معنى المشاركة الانتخابية الحقيقية، وهذا أمر وارد في كل الدول التي سبقتنا في هذا المجال، ولا تزال تحدث الكثير من الخروقات فيها، ولعل من أسباب اتجاه المترشح للفئة الأقل حظاً من التعليم لمساندته في الانتخابات، كون هذه الفئة الأسلَس قيادةً، والأكثر تأثرا بالعوامل العاطفية، والقبلية، وكذلك الأكثر تأثيرا.

ويكرّس المثقفون من خلال عدم مشاركتهم، وسلبية موقفهم، لهذا الهاجس، ويدفعون به إلى التقدّم على حساب منجز وطني يجب الحفاظ عليه، والارتقاء به، بالمشاركة سواء عبر الانتخاب أو الترشح..

إنّ على المثقف بالذات محور حيوي، وجوهري، يجب أن يلعبه كي يعمّق دوره الانتخابي على الأقل، ويساعد على إيجاد آليةِ تعاطٍ أكثر وعيا، وإدراكا للممارسة الديموقراطية الناشئة والتي يجب أن تستند على أكتاف كل مواطن واعٍ، وأولهم هذا المثقف بكل فئاته، ولا أعني بالمثقف الكاتب، بل هو كل متعلّم جامعي، أو حتى غير جامعي يعي معنى المشاركة بين المواطن، الحكومة، ويدرك ضرورة الممارسة الديموقراطية، التي يلعبها مجلس الشورى والتي ترسخّت وتأسست بفضل التوجيهات الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة ـ حفظه الله ورعاه ـ طوال الفترة الماضية.

في كل دول العالم هناك ما يسمّى بالجدول أو البرنامج الانتخابي، وهو البوصلة التي تُحدد مسارات الناخب، والمترشّح في آن واحد، إلا أنّ هذا الأمر مفتقد في التجربة البرلمانية في السلطنة، وإن بدأت بعض بذوره في الظهور بشكل غير ملفت خلال الانتخابات الحالية، ولكن نتمنى أن تكون أكثر منهجية وبروزا ضمن جدول المرشحين مستقبلاً، كون هذه (الخارطة) هي واحدة من أهم السمات الانتخابية، فمن خلالها يتعرّف المواطن على مسار من ينتخبه، ويقترب من أفكاره، وميوله، وخطته في المجلس، ويتعرّف على الخطوط العريضة التي يتحرك من خلالها، وهي خط فاصل بين العشوائية في الانتخاب، والتصويت، والانتقائية التي هي حق مشروع لكل ناخب، وهي ـ في اعتقادي ـ ستعمل على فرز الأشخاص المترشحين على أساس أكثر نضجا، ووعيا، وبالتالي يكون الناخب أكثر اقتناعا بمرشحه، وسيسد هذا البرنامج الانتخابي العملي الثغرات التي يمكن أن تحدث حين يستغل البعض نفوذ المال أو القبيلة أو غيرها في تمرير أصوات ناخبيهم..وهو الثغرة الأكبر التي تصاحب كل دورات انتخابات مجلس الشورى.

Samawat2004@live.com

تعليق عبر الفيس بوك