لا تكترث بكلام الناس.. فالواثق من نفسه لا ينتظر تصفيق المعجبين

بدر الشيذاني

الحمدُ لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وبعد: فلقد كتب إلي أناس كثيرون من مختلف شرائح المجتمع، منهم من يشكي همومه وأحزانه، ومنهم من يشكي ظلم أخيه له، ومنهم من تكدر خاطره بهموم الليل وأحزان النهار من ذلك الصديق الذي لم يقدره ولم يراع حقوق الصحبة تُجاهه.

وغيرهم كثير، قد عانى سوء الظن به، وإلقاء التهم به هكذا جزافا، والله المستعان . وهذا جواب لكل من تأثر بسخرية الآخرين، وتثبيط القاعدين، نقلت بعض عباراته من كتاب: "ما لم يخبرني به أبي عن الحياة" للمؤلف كريم الشاذلي، وغيره. صغت بعضها بتصرف، وبعضها نقلته نصا، فهذا جواب إلى كل من تأثر وتحطم:

الجواب: قد تصيبك هموم الليل، ومآسي المساء، وأحزان النهار؛ من ذلك الصديق الذي لم يقدر ما قمت به، وهذا الزميل الذي طعنك بكلمة دلت على ما في قلبه تُجاهك، وأولئك الأقارب الذي لم يرقبوا فيك ذمة ولا رحما، والمجتمع الذي لم يقدر جهدك وإنتاجك، والمدير الذي خيب أملك، وحطم نشاطك.

وكل هذا لو تدبرته لوجدته لا يساوي شيئا، ولا يستحق كل هذا الاهتمام، بل لو أن رزق هؤلاء الناس كان بيدك ورزقتهم، وبيدك شفاؤهم وشفيتهم، وبيدك إسعادهم وأسعدتهم، ما أعطوك من الحمد والثناء والمدح القدر الذي يجب لك عليهم، بل سوف تجد منهم من هو ساخط ناقم، ولو كنت كاملا خلقا وصفة ما رأوا ذلك الكمال، ولا نظروا بعين التمام، وإن كانوا قد استيقنت به أنفسهم، فسوف ترى فئاما من اللئام، فهل قدمت لهم شيئا مما قدمه الخالق لهم سبحانه؟! خلقهم فعبدوا غيره، رزقهم فشكروا سواه، له الكمال والجلال والجمال، ومع ذلك ينسبون له ما لا يليق به -سبحانه- من الولد والزوجة، ويصفونه بصفات النقص والفقر -تعالى الله- عن ذلك علوا كبيرا.

ولقد شكا نبي الله موسى -عليه السلام- ما يلقى من كلام الناس؛ فعن وهب بن منبه أن موسى -عليه السلام- قال: رب، احبس عني كلام الناس، فقال الله تعالى: يا موسى، ما فعلت هذا لنفسي.

فانظر إلى عباد الله الكرماء أهل الكمال في صفات البشر من الأنبياء والرسل، وصفهم قومهم بصفات أهل النقص والازدراء من السحرة والكهنة والكذابين. وهؤلاء ملائكة الله الذين خُلقوا من نور وصفوهم بالإناث والضعف.

ثم بعد ذلك تريد منهم أن لا يصفونك بما يغضبك، فما دام الأمر كذلك، فلا يضرك إن عابوك أو انتقصوك، أو هضموا قدرك، أو حطوا من منزلتك.

إنَّ الواثق بنفسه لا يهمه تنقصات الناقصين، ولا ينتظر تصفيق المعجبين؛ فلا تكترث بكلام الناس؛ فإنما هو هباء في هواء.

جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد، إن مدحي زين، وذمي شين، فقال صلى الله عليه وسلم: "ذلك هو الله - عز وجل".

نعم الله -عزَّ وجل- هو الذي إن أطعته فمدحك رفعك، وإن عصيته فذمك وضعك.

فكيف تتألم من مخلوقين لن يضعك ذمهم، ولن يقتلك كلامهم، ولن يوقف رزقك مهاتراتهم، فاصفح عنهم وقل سلام، وتذكر أن الصفح والعفو من سمات الكرام.

نم قرير العين، خالي الفؤاد، فمن راقب الناس تعب، ورضاؤهم غاية مستحيلة لن تدركها.

إننا كثيرا ما نعطي لرأي الآخرين أكثر مما يستحق، ونزن أفعالنا بانطباعاتهم، وأنى للناس أن يعايشوا ويتفهموا ما نحن بصدد المضي فيه وتحقيقه!

ولو بحثنا في قلوب الناس لوجدنا العجب العجاب؛ فمنهم من برئت نفسه من الأثرة والأنانية فأحبك وتمنى لك التوفيق، ومنهم من أغاظه نجاحك وتفوقك، وينتظر لك السقطة؛ كي يتشفى فيك، وهناك من لا يرتاح لمرآك، وآخرون يطربهم سماع صوتك، فهل سترهن حياتك بما يبنيه الناس عنك، سواء سلبا أو إيجابا؟!! أبدا ليس هذا بالأمر الرشيد.

ولكن الخير هو أن تستمع لما يقال لك، تتأمل في كل نصح أو نقد أو توجيه، تفكر فيه جيدا، تعمل فيه عقلك، فإذا عزمت فلا يثنيك كلام أحد ولا ينال منك تثبيط القاعدين.

كلام الناس أشبه بالتراب إذا لم يطير به الهواء فهو يداس، عش حياتك فالأفواه لن تصمت والألسن لن تتوقف. قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: كونوا دعاة إلى الله وأنتم صامتون، قيل: وكيف ذاك؟ قال: بأخلاقكم.

يتكلم عنك الناس في ثلاث حالات، عندما لا يملكون ما تمتلك، وعندما يعجزون أن يكونوا مثلك، وعندما لا يستطيعون الوصول إليك.

لا يهدم قصور المحبة إلا ثلاثة، كثرة الخطأ، وكثرة العناد، وقلة الاهتمام.

نحن نمنح الفرص؛ لأننا لا نريد أن نخسر من نحب، ولكنهم يخسرون فرصهم حين يظنون أن العطاء أبدي. لا تعط قلبك لمن لا قلب له؛ لأنه حتما سيخذلك، ولا تعط حروفك لمن لا يقرأ؛ لأنه بلا شك سيسيء فهمك، ولا تعط صوتك لمن لا يسمع؛ فلن يجيب عليك حينها إلا الصدى.

اكتب كل ما يقوله الناس ضدك في أوراق، وضعها تحت قدميك فكلما زادت الأوراق ارتفعت أنت، امشِ ولا تلتفت، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

كلام الناس مثل الصخور إما أن تحملها على ظهرك فينكسر، أو تبني بها برجا تحت أقدامك فتعلو وتنتصر.

هذا، والله الموفق وهو يهدي إلى سواء السبيل.

تعليق عبر الفيس بوك