ألم يحن الوقت بعد لإنشائها؟!

د. مُحمَّد العريمي

في عددها الصادر بتاريخ 6/9/2015، نشرت جريدة "عمان" الخبر التالي "دول مجلس التعاون تناقش إنشاء اتحاد للجمعيات التعاونية لتطوير العمل الموحد"، وهو خبر تناولته في حينها صحف خليجية مختلفة، بل إنَّ جريدة "عكاظ" السعودية أبرزت في رأيها المنشور بتاريخ 22 أكتوبر أنَّ "اتجاه دول مجلس التعاون الخليجي إلى إنشاء اتحاد للتعاونيات يُعدُّ خطوة مؤثرة ستنعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين خصوصاً فئة الدخل المحدود".

أعادني هذا الخبر إلى الأوامر السامية الصادرة في 26 فبراير 2012، والتي كان من ضمن ما تضمنته دراسة إمكانية إنشاء جمعيات تعاونية؛ بهدف تخفيف أعباء المعيشة على المواطنين، وطالب الكثيرون وقتها (ومن أبرزهم الهيئة العامة لحماية المستهلك التي أعدت تقريراً شاملاً ووافياً حول هذا الأمر من منطلق مسؤوليتها الاجتماعية، بل إنها عدتها من ضمن الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها) بإنشاء جمعيات متخصصة على غرار ما هو قائم في عدد من الدول المجاورة، كالجمعية الحيوانية والزراعية وجمعيات لأصحاب الحرف...وغيرها من الجمعيات؛ مما يُسهم في تنشيط الحركة التجارية والتخفيف من أعباء المعيشة على كاهل المواطن.

والتعاونيات هو موضوع اقتصادي واجتماعي عالمي مهم ويحظى باهتمام مجتمعي كبير على مستوى كافة الأصعدة العالمية والاقليمية، بل إنَّ الأمم المتحدة -وهي أعلى هيئة سياسية عالمية- قد خصَّصت العديد من الجلسات والاجتماعات والتقارير لمناقشة هذا الموضوع؛ لعل من بينها على سبيل المثال لا الحصر: تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المقدم للجمعية العامة في دورتها السادسة والستين 2011، وتقرير الجمعية العامة في الدورة السابعة والأربعين (البند 93)، وتقرير الدورة التاسعة والأربعين (البند 95)، وتقرير الدورة الرابعة والستين (البند61)، وتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الدورة السادسة والخمسين، والثامنة والخمسين، والرابعة والستين بعنوان "دور التعاونيات في التنمية الاجتماعية"، وتخصيص عام 2012 ليكون السنة الدولية للتعاونيات.

وقد اشتملت تلك التقارير على معلومات وافية ومهمة عن دور التعاونيات على مستوى العالم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحماية السلام، والإغاثة، كذلك النسب المتعلقة بمساهماتها المختلفة في الدول التي تطبقها.

وقد نشأت فكرة التعاونيات في بريطانيا في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي في سياق التوترات التي أعقبت الثورة الصناعية (جمعية رواد روتشديل)، والمصطلح بحسب تعريف الأمم المتحدة كما جاء في تقرير الأمين العام في الدورة الرابعة والستون، أن التعاونيات هي "رابطة مستقلة بذاتها تتكون من أشخاص يتحدون بمحض إرادتهم من أجل الوفاء باحتياجاتهم وتطلعاتهم المشتركة من خلال مؤسسة يشتركون في ملكيتها وتدار إدارة ديمقراطية"، وهي "تقدم مساهمات مهمة في التنمية، وتؤدي قدرتها على إنشاء مؤسسات تجارية مستدامة وقابلة للاستمرار إلى تأمين العمالة المنتجة وتوليد الدخل، مما يساهم بالتالي في الحد من الفقر"، كما أنها "تقدم نموذجاً لمؤسسة تكون لها أهمية كبيرة في الظروف الاقتصادية الصعبة وحالات عجز الأسواق، وتعمل على تعزيز ودعم تنمية القدرة على تنظيم المشاريع، وخلق فرص العمالة الانتاجية، وزيادة الدخل، والحد من الفقر".

وبحسب تقرير الأمم المتحدة السابق، فإنَّ قطاع التعاونيات يضم على الصعيد العالمي نحو 800 مليون عضو في أكثر من 100 بلد، ويوفر أكثر من 100 مليون وظيفة وفي بلد مثل كينيا فقد كانت مساهمة التعاونيات في الناتج المحلي الاجمالي في عام 2008 حوالي 45%، وقد تمكنت من التغلب على تداعيات الأزمة الاقتصادية لعامي 2008-2009 بجدارة فاقت نظيراتها من المؤسسات المالية، كما أنها توفر فرص عمل تزيد بنسبة 20% عما توفره الشركات متعددة الجنسيات.

أما في منطقة الخليج العربي، ففي تحقيق منشور لصفحة الهيئة العامة لحماية المستهلك في 2012، فإن "تجربة الجمعيات التعاونية في دول مجلس التعاون أثبتت نجاحها كنظام اقتصادي تعاوني متكامل يعمل على خفض الأسعار ومواجهة الاحتكار، وقد استطاع هذا النظام أن يترك آثاره الايجابية على النظام الاقتصادي والتنمية بوجه عام".

وفي تصريح نشرته جريدة "الرياض" في ديسمبر 2007م لمسئول اقتصادي سعودي، فإنَّ "اتحاد الجمعيات يوفر 35 ألف سلعة بأسعار منافسة ويقاطع التجار المغالين في الأسعار"، وفي تحقيق أجرته ذات الجريدة في يونيو 2011 أكد (98%) من أفراد العينة أنه "ليس هناك طريق لرضى المستهلك إلا عبر الجمعيات التعاونية"، وأنها "الحل المغيب" لمواجهة غلاء المعيشة"، وفي خبر نشرته وكالة الأنباء الكويتية (كونا) في مارس الماضي، قال رئيس مجلس ادارة اتحاد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية عبدالعزيز السمحان: إنَّ لجنة الأسعار في الاتحاد عملت على تثبيت سعر أكثر من 30 ألف سلعة تباع في الأسواق المركزية والجمعيات التعاونية بأفرعها، وأن مبادرة لتقديم برامج تحسين الصحة للتلاميذ وطلبة المدارس (500 ألف تلميذ في سنة واحدة)!

وفي دراسة أعدتها لجنة مختصة من أربع وزارات بالسعودية في العام 2011 حول جدوى تأسيس الجمعيات التعاونية، فقد خلصت نتائج الدراسة إلى أن النظام التعاوني استطاع تحقيق نجاحات بدرجات متفاوتة في مختلف المجتمعات، وأن هذه الجمعيات يمكن أن تدعم جهود الدولة في الحد من ارتفاع الأسعار واستغلال المستهلك.

وتعود انطلاقة الحركة التعاونية في الكويت إلى عام 1941م، أما في قطر فقد افتتحت أول جمعية تعاونية استهلاكية في 1976، وكذا الحالي في الإمارات بعد صدور قانون التعاون في ذات العام، وبلغ عدد التعاونيات فيها أكثر من 100 فرعاً يتبعون نحو 15 جمعية.

وبحسب مقال محمد السقا في جريدة "الاقتصادية" بتاريخ 25 يناير2013، فإن "الجمعيات التعاونية الاستهلاكية في الكويت هي مؤسسات تهدف أساسا إلى خدمة سكان المنطقة التي تنشأ فيها، ويوجد في الكويت حاليا 56 جمعية تعاونية وأكثر من 350 فرعا لها تنتشر في أنحاء الكويت كافة، ولا توجد منطقة سكنية في الكويت تقريبا إلا وتنشأ فيها الجمعية الاستهلاكية الخاصة بها".

أما في الإمارات فيعمل الاتحاد التعاوني على استيراد جماعي للسلع الرئيسة إضافة إلى الاستيراد الذي تقوم به كل جمعية على حدة، وقد أحدث وجود هذه الجمعيات حالة من التوازن بسوق السلع الاستهلاكية الإماراتية، حيث وصلت مبيعاتها في 2009 إلى حوالي خمسة مليارات درهم، برأس مال يقدر بحوالي 700 مليون درهم، بوجود أكثر من 600 مواطن في الوظائف القيادية بها، منفقة حوالي 18 مليون درهم في أعمال الخير، وذلك بحسب تقرير نشرته جريدة الاتحاد الاماراتية في عددها الصادر بتاريخ 2 مارس 2010.

ختاماً.. وبعد كل ما سبق: ألم يحن الوقت بعد كي نبادر بفتح المجال لظهور الجمعيات التعاونية لدينا أسوة ببقية دول العالم؟! ألن تقوم هذه الجمعيات بأدوار اقتصادية واجتماعية كبيرة ليس أقلها توفير السلع والبضائع والخدمات المناسبة بأسعار مناسبة، ومكافحة الغلاء والاحتكار، وتوفير فرص العمل لفئة من المجتمع، واستقطاب المنتج المحلي في الحي أو المكان المتواجدة به، ودعم المشاريع والمبادرات والأنشطة المجتمعية في ذات المجتمع التي تخدمه، وتوفير فرص ربح للمواطنين من خلال المشاركة في أسهم هذه الجمعيات، ودعم العمل التعاوني من خلال تعاون الناس على انشاء جمعيات يديرونها بأنفسهم وتلبي احتياجاتهم المختلفة، وتعودهم على آلية الإدارة والانتخاب والتعبير عن الرأي!!

وما بالنا لو توسَّعنا في إنشاء هذه الجمعيات لتشمل جمعيات خاصة بالحرف المختلفة كجمعيات المزارعين والصيادين وغيرهم لتحقق لهم نوعاً من الدعم والتشجيع والحماية كذلك!

الأمر بحاجة أولاً لاستيعاب لأهمية الموضوع، ومن ثم إصدار التشريعات الخاصة بها، ولا بأس بتقديم الدعم في المراحل الأولى سواء كان دعماً مادياً مباشراً، أو غير مباشر من خلال تخصيص الأراضي الخاصة بإقامة هذه الجمعيات، أو التسهيلات المتعلقة بالاستيراد. فلنجرب ونرى.

تعليق عبر الفيس بوك