الشائعات الطائرة وجراحها الغائرة

حمد بن سالم العلوي

تقتلُ الغيرةُ والحسدُ البعض على نجاح غيرهم بنيل حب النّاس لهم، وأكثر ما يغيظهم أنّهم بذلوا الغالي والرخيص في سبيل نجاح مسرحية ما .. ولو لم ينجحوا، وقد سلكوا في سبيل ذلك كل المسالك الوعرة، والمنعَّمة ولم يفلحوا قيد أنملة، وكان ظنهم أن تلك الفهلوات الشاذة والمريبة ستجلب لهم الشهرة، ومحبة الكون بأكمله، وقد نسوا أو تناسوا أن البشر ليسوا جميعاً مثل تفكيرهم يفكرون، وليس جميعهم أيضاً ممن يقال له القول، فيردُّ بغير وعي "لكم السمع والطاعة على كل حال .. وهو أحولُ البصر والفؤاد" فالناس لهم ألبابٌ وبها يسوسون أنفسهم، فيتريثون في الاستجابة قبل أن يعلموا كنهها والعقاب، ويحسبون حساب المصالح والمكاسب، وهناك آخرون لا يكتفون فقط بحسبة المصالح والمكاسب وحدهما، وإنما يضعون نصب أعينهم رضا الله بورع وخوف من يوم الحساب، ويرجون عفو الله قبل كل شيء، دون أن يعمي بصيرتهم أي مطلب دَنْيَوي بلا تباب.
إنّ تكرار فشلُ الفَاشل في تحقيق أهدافه ومآربه له لم يعظه، وهو الذي كان يرجوها أن ترفعه في عُلا المجد ولكنه بها يسقطُ، والكل يُوقن حتمية أن يخرُّ به الفشل في الدركات السفلى من حضيض سوء منقلب في غياهب الندم، ولكنه لا يتدارك وضعه المنهار بلا محالة، ولا يعود إلى تقييم عدد الخطوات الخاطئة .. فيعدل عنها، وذلك بتصحيح المسار إلى الطريق الصحيح الأصلحُ، وإنما يلجأ إلى تقليد الشيطان الرجيم بالمكابرة في العصيان، ويمعنُ في ذلك إمعاناً شديداً رغم التنبيه والإنذار، فهكذا فعل الشيطان مع ربِّه فعمّق العصيان بالعصيان إلى الأبدي بلا ندم.

ولكن الفاشل البشري يبدأ بتجييش جنود السوء ممن يجمعهم المال، ويفرقهم الحق والعدل بالنسيان عن كل حميد من القيم، وطالما كان الكذب مباحاً بالمجان وبلا ثمن، فتجدهم قد شقوا السبيل للحصول على المال دون أدنى خوف أو ورعٍ، والعمل بالكلام المكتوب أقل مشقة برغم الذنوب، وهو أسرع تأثيراً في أوساط من ليس له لبٌ به يقتدي، فلا عَدِموا وسيلة للنشر في ظل تويتر وفيس بوك بلا وجه به ولا خجل، فترى قول الفُحش لا يُخيفهم من نيران توقد للعصاة تُسعّر، فإذا القتل أصبح يمثل للمضللين وسيلة لنيل جنة الطغاة لهم صارت مطمعاً، وهي بالطبع ليست جنة الفردوس التي خلقها ربُّ العالمين لعباده الأخيار مسكناً، وهي حتماً حرّمها الله على العصاة من أصحاب الكبائر، ذلك قول معلوم من القرآن المنزّل على سيد الأنام من خلق الله في الثقلين أجمعُ.

لذلك أوصي أخوتي من أبناء الغبيرة الأشاوس، أن يلوذوا بالعقل من كل شائعة أتت طائرة في شبكة الخبث لامعة، فلا يغرنّكم لمعانها الظاهر، فقد يكون في بطن كلماتها المنمّقة بالحب والعطف علينا الشيء الغريب، فمهما كان فيها من مدح قد ينحت الحديد، فقد تحمل سكينا تذبح من الوريد للوريد، إذن الحذر مما بين أسطرها، فقد تضمُّ حيّات تزحف مشبّعة بسمٍ أرعف لذات القرنين من الثعابين الطائرة والأقرع السائرة، تطير لتجرح الفؤاد والألباب، وتزرع السم بين الحنايا والأكباد، فوقتذاك لا يعود الترياق في علاجها ينفع، وقيل إنّ غدر القريب للقريب أشد فتكاً وأوجع، إذا للشر الدسيس قد أزمعوا وعزموا، فقد تجدهم مرة يُغلّفون بالحديث مع قول شاعر فصيح، فأنت كثيراً له تسمع للقول المليح، ومرة في دسّ حديث نسب إلى المختار، والمختار منه يبرؤ باستنكار، خاصة إذا دس ذلك القول من لسان وافدٍ مرتزق، ففي الأصل قد باع الدار من غير ورعٍ وخلقٍ، فأسرع بمجداف قوي يهرب، وقد أبسط عراض الأشرعة والأوسع، كي يلحق حتفه الذي بالمال الألمع يصرعه، فأرسى بسفائنه على شواطئ الجذب لكل طامع في الكسب السريع، بلا أخلاق ولا قيم للدين في مجمع الأعراب يضيع، فالله ربُّهم هكذا قال عنهم، إنهم للدين ليس أجدر، ولحدوده أفضل ألا يعلموا، والله وهو بهم لا شك أعلمُ.

أيها العُمانيون أنتم قد قفلتم الباب في الماضي عنهمُ، فاجعلوه أمام الشائعات والشّر دوماً موصداً، لتظل عُمان للخير مرتعاً، واليوم قد أصبح العالم بحب عُمان وسلطانها وأهلها مولعاً، يزداد عاماً بعد عام للسلام فجاجاً شرعاً، وللوئام موطن وللتسامح موئلاً، حفظ الله عُمان وسلطانها المبجّل من كل سوء وشّر ومن كل حاسد إذ يحسد، فنحن أمة عُرفت بالخير من عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وسيظل دعاؤه لعُمان مؤبداً "رحم الله أهل الغبيرة إذ آمنوا بي ولم يروني" والغبيرة كنية لعُمان المجد على الدوام سيداً.

safeway-78@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك