ومرّ "شابالا" من هنا بسلام ..

سلمى اللواتية

مرّ الأسبوع الحالي والذي قبله، صاخباً عارمًا من أثر شابالا الذي قرر في الختام العبور بهدوء متناغماً تماماً مع هدوء صباحات هذا الوطن الحبيب، غير أنّه كان بلا منافس مجهولاً مرعباً أقضّ مضاجع الروح والنفس فتسارعت الجسوم تجمع ما يكون عوناً للقادم من الأيام، ماءٌ وغذاءٌ ودواء، وتجميع لما خفّ وزنه وغلا ثمنه كي يرحل مع من يرحل من الدار إذا قرر شابالا الانقضاض عليها! هذا ما كان في جنوب الوطن، وأما شماله وبقية نواحيه فكان الاستعداد جندا مجندا ينتظر النداء كي يلبيه، كل هذا وسقطرى في القلب وفي الأكف نرفعها أمانة كي تحفظها السماء، والعزم شديدٌ أننا سنكون هناك لو سمحت سيادة الجار، نعم هنا عُمان حيث تجد الإسلام الاحترام والسلام ..

وعلى الضفة الأخرى من النفس بدا شابالا وكأنّه يلحّ علينا أن نراجع حسابات، ونتراجع عن مواقف أو أن نتقدم نحو مواقع، على الضفة الأخرى نداءٌ آخر وتأمّلٌ ترغمك عليه صور الموج الهادر في الجزيرة المنكوبة سقطرى،على الضفة الأخرى تراءت الآيات بوضوح: "إذا السماء انفطرت، وإذا الكواكب انتثرت، وإذا البحار فجرت وإذا القبور بعثرت، علمت نفس ما قدّمت وأخرّت" وقوله جلّ وعلا :"يأيها النّاس اتقوا ربكم إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم" يبدو المشهد أقسى من هلع الأسبوع الفائت فماذا يا ترى أعددنا لهذا المشهد المروّع الذي لا مناص من الوقوع فيه، ولا نجاة منه فهو لن يقرر تغيير المسار! وهل الزاد كافٍ لمسيرة تطول ومشوار لا يعلم سعة الزمان فيه إلا الله تعالى كما المكان تماماً! خواطر النفس، وصراعات الخير والشر، والأفكار المتناطحة بين قرار وآخر، والحياة التي نخوضها برمّتها والتي حتماً خاضعةٌ لقانون النهاية الذي لا زاد فيه إلا التقوى في القول والفعل والظن والأداء تحسباً لطوفان قادم لن يكون عابرًا بسلام إلا على من اتقى! قال تعالى :" وتزودوا فإنّ خير الزاد التقوى" فهل حياتنا كفؤ الحاجة من الزاد المطلوب؟!

يخيّل لي أنّ شابالا حين قرّر الهجوم على جنوبنا أمّل في كل البحر والمحيط من ورائه رافدًا وداعماً لخطته التدميرية، ولم يخطر بباله يوماً أنّ يُحاصَر من جهاته المستديرة بسواعد تحبط خطته المشؤومة، يبدو لي هذا التخيل بدايةً موفقة لقصة يأخذها خيال كاتبها أينما شاء، وأما الواقع الذي صار هنا فهو اللُّحمة الوطنية الواحدة في طول البلاد وعرضها، وهذا التكاتف العبقري الخالي من الصخب إلا من همهمات ترسم خط السير والعقبات والطوارئ، برز الوطن كهمٍّ أكبر على كل الأصعدة، مهما كلف الواحد منّا جهدا ومالا، في الأيام الفائتة برزت المواطنة الحقّة التي ترتفع عن دائرة الأنا الضيقة لتصب في مصلحة الكل الواحد! هذه الروح الواحدة التي ينبغي أن نحملها كل يوم، كل منّا في موقعه، إنّها الروح المسؤولة التي ينبغي أن يحملها، كل من يخطط وينفذ على أرض الوطن ؛ فلو نخرت الثغرات جدار بناءاتنا الوطنية وجاء الطوفان فجميعنا لا محالة مغرقون، وكلما كبرت المواقع كبرت المساءلة، وكلما اتسع نطاق الخدمة ثقلت الأكتاف، وكلما قدّر الوطن العطاء وجب بذل المزيد!

فمع شابالا كان حدث آخر يجد له مكانًا ومساحة على صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي، إذْ أنعم جلالة السلطان المفدى - حفظه الله - بعدد من الأوسمة على عدد من المسؤولين في الدولة، إنّ مشاركة المواطن المسؤول سعادة الامتنان حملت معاني اللحمة الوطنية الواحدة كما حملت في طياتها رسالة أعمق عن المسؤولية المضاعفة التي تقتضي العمل الجاد والمخلص والأمين؛ فحين يمنحنا الوطن مساحات التعبير عن مواهبنا وقدراتنا، وحين يهبنا الوطن مساحاته لننطلق بآمالنا وطموحاتنا فنحققها في أرجائه؛ فإنّه يرتجي منّا الإيمان باستحقاق المواطن الآخر ليجد ذات المساحات وكل المدى ليرتقي تعليمًا وصحة وتوظيفاً وبناءً، وليرقى الوطن من ورائه، ويرتجي الوطن أن يقف الكل في مساواة وعدالة أمام قانون يضمن حقوق الجميع ويردع تقصير الجميع، ويراعي مصلحة الجميع، يرتجي الوطن أن تستمر التنمية على رحبهِ لتخلق طاقات ترقى إلى العالمية في وطن ينضح بمقومات الرفعة والسمو من موارد طبيعية وبشرية، ولا يجوز أن ينقصه سلامة التخطيط وجودة التنفيذ لحسابات الأنا أو الجهل أو غيرهما من الأسباب..

ومع شابالا مجدداً كانت الخارجية العمانية تقلد تاريخ المنطقة وساما من سلام يتنشق العالم عبيره في الشام واليمن بل وأبعد بتأن وحلم وصمت وحنكة لا يتقن رسمها إلا العمانيون! هذه الحنكة التي حفظت البلاد والعباد، وقد صدق من قال: إذا أردت أن تسود فاعمل في صمت !

ثمّ وبعد هذا ولأجل كل هذا قرر شابالا أن يعبر من هنا بسلام، إذ ليس الزمان ولا المكان ولا النفوس تستحق فوضى عارمة تسحق جمال الصنع الإلهي على أرض الخير والسلام، وثم وبعد هذا علينا أن نعتبر ونصطبر ونتفانى ليتلاشى كل طوفان الأنانية والتعصب دون أن يخدش شيئاً من جمال الروح والتنمية على أرض هذا الوطن الحبيب تاركين كل صفحاته بيضاء لا يجد القادمون فيها منقصة تعيب على عصر زاهر وشعب متفانٍ .

s.allawati@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك