الشعور الأبوي في رسالة التعليم

عيسى بن علي الرواحي

طلب مني أن أتواصل مع أحد أولياء الأمور؛ لأجل أن يحضر إلى المدرسة لأمر يهم مصلحة ابنه بعد أن أوضح لي بأنّه يقوم بتقييم شامل في بداية كل عام لطلابه الذين يدرسهم، وبعد ذلك يقوم باستدعاءات لأولياء أمور الطلاب الذين يحتاجون إلى متابعة خاصة واهتمام مكثف بشأن مستوياتهم الدراسية.
لم يتردد أو يتوان ولي أمر الطالب في الحضور إلى المدرسة، وقد حضرت لقاء الأستاذ بوالد الطالب، ولمست حرصًا كبيراً من الطرفين على النهوض بمستوى الطالب التحصيلي خاصة فيما يتعلق بمهارات القراءة والكتابة، والاهتمام بالواجبات المنزلية والأنشطة الدراسية، وكان ارتياح الوالد للأستاذ واضحًا، ومقدرًا لهذه البادرة الطيبة التي رجاها أن تكون عند كل المعلمين.
عقب ذلك اللقاء قلت للأستاذ: أعجبني كثيرا هذا المنهج الذي تتبعه في الوقوف عن قرب على مستويات طلابك، وحرصك الكبير في التواصل مع آبائهم وإبلاغهم بمستويات أبنائهم التحصيلية خاصة أولئك الذي يحتاجون إلى اهتمام أكبر.
قال لي: إنني دائماً أُنبه زملائي إلى أهمية هذا الإجراء، وإنه ما لم تستشعر يقيناً في وجدانك وأحاسيسك بأن طلابك الذين تدرسهم هم أبناؤك؛ فلن يكون عطاؤك وتدريسك لهم بالصورة المرضية، كما أنك لن تحس بمتعة التدريس، ولن تتطور في طرائقه ومهاراته ما لم تملك ذلك الشعور الأبوي تجاه الطلاب الذي يحتم عليك أن تبذل قصارى جهدك معهم في كل حصة دراسية، وما يعقبها من أعمال وتبعات.
إنّ ذلك الشعور الأبوي الذي يعنيه المدرس تجاه طلابه حتَّم عليه أن يقف على مستوى كل طالب؛ حتى بلغ به الأمر أن يسأل عن وضع طلابه اجتماعيًا ومادياً وسلوكياً إضافة إلى تقييمه لهم للمستوى التحصيلي، وحتَّم عليه أن يتواصل مع ولي أمر كل طالب يحتاج إلى الرعاية والمتابعة، وحتَّم عليه أن يتفنن في طرق التدريس للطلاب، ويبذل لأجل ذلك من جهد ووقت ما يستطيع، ورغم ذلك فهو يجد المتعة في التدريس فالطلاب أبناؤه وإن لم يكونوا من صلب ظهره، وهو شعار يرفعه دائماً شعار(التعليم بالحب).
إنّ الشعور الأبوي من المعلم تجاه طلابه أمر في غاية الأهمية لا ينبغي أن يستغني عنه المعلم، وهو شعور وإن تطلب بذل الكثير من الجهد والوقت؛ فإنّ أول نتائجه الإيجابية يجنيها المعلم حيث يجعله محباً لوظيفته أو بالأحرى محبًا لرسالته السامية، راغباً فيها مستمرًا على العطاء والبذل لأجلها، وهو يعيش في غمار سعادة قلبية وراحة نفسية رغم الجهد البدني والعقلي الذي يبذله أثناء تأديتها.
ولا ريب أنّ الطلاب هم الرابح الأكبر في ذلك من جميع النواحي ولكن مع أهمية أن يتحقق الشعور نفسه منهم تجاه معلمهم فلا نتيجة مثمرة من شعور المعلم تجاه طلابه بأنهم أبناؤه ما لم يقابله طلابه بشعور أنه أبوهم، وهو شعور يجب أن يصدقه الواقع من قبل الطالب أولاً والأسرة ثانيًا؛ فالاحترام والتقدير وامتثال الأوامر وانضباط السلوك أمور لابد منها، كما أنّه إن غضب المعلم على طالب أو نهر أو زجر أو قسا أو عاقب أو أغلظ بالقول فإنما هي أساليب أبوية لا مناص منها وقت الضرورة، وتؤتي أكلها في حينها بإذن ربها، وكما قال الشاعر:
فقسا ليزدجروا ومن يك راحمًا * فليقس أحيانًا على من يرحم.
إنّ شعور الوالد والولد بين المعلم والطالب وترجمته صدقا وعدلا على أرض الواقع سيحقق من النتائج الإيجابية والثمار الطيبة والمحامد المشكورة والمحاسن النبيلة ما لا يسع حده ولا عده، فحب التعليم والتعلم من نتائجه وربما من أسبابه، والاجتهاد في التدريس والتفنن فيه والمثابرة في التحصيل والتنافس في المذاكرة من ثماره، وانتظام الدراسة وانضباط السلوك والتزام الأنظمة من محامده، وشيوع التعاون والمحبة والاحترام والتوقير والتقدير من محاسنه، بل إن كثيراً مما نراه في واقع التدريس مما لا يسرنا ولا يرضينا قد يكون من أبرز أسبابه غياب ذلك الشعور أو انعدامه.
إنّ كل معلم أدرى بشعوره تجاه طلابه، وكل طالب أدرى بشعوره تجاه معلميه، ولست هنا مقيما شعور أحد، لكننا نوقن أن الواقع يحكي نفسه... والله المستعان.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك