دينك حياتك 3

"إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"

الإحسان لفظ جامع لكل معاني الإتقان والعطاء والإنعام ومراقبة الله تعالى

حمد المعولي

إحسانُك فعلك الذي تقصُد منه نفعَ الغير حتى يُصبح حاله حسناً، وإحسانك في حياتك إذا أتيت بما هو حسن.

وإحسانك أن تأخذ من كل شيء أحسنه، وهو ليس مقصوراً على تصدقك بالصدقة المتعارف عليها، وإنما التصدق هو من الإحسان، كما أن الإحسان هو الإتقان، وفعلك الشيء على أكمل الوجوه، والإحسان كذلك الإنعام على الغير.

كما نرد في تعبيراتنا لفظة: الحسنة، وهي التي نعبّر بها عن كل ما يُسِّر من نعم تنال الإنسان في نفسه وبدنه وأحواله، ورسولنا الكريم -عليه الصلاة والسلام- حينما سُئل عن الإحسان، قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن ترا فإنه يراك".

ديننا الكريم يُربِّي أتباعه، ويهذبهم؛ ليكونوا محسنين في كل شيء:

- في عملهم: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ".

- في قولهم: "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ".

- في علاقاتهم الأسرية: "وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا".

- في الفراق وأبغض الحلال: "الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ".

- في انفعالاتهم وسائر تعاملاتهم: "ولا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ".

ومن ذلك كله نفهم أن الإحسان يراد به معانٍ عديدة؛ فهو فعل الحسنات، وهو الإحسان إلى النفس، وهو الإنعام على الناس، وهو مراقبة الله تعالى.

ويقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله كتبَ الإِحسانَ على كل شيء، فإِذا قَتَلتم فأَحسِنوا القِتْلة، وإِذا ذَبَحْتُم فأحسنوا الذَّبحَ".

ويُروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه رأى رجلاً أضجع شاةً، ثم أخذ يحِدُّ شفرته؛ فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: "أتريد أن تميتها موتات؟ هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها؟".

والإحسان في الإسلام يصل إلى أبعد من ذلك؛ فهو يكون حتى في الحرب ومواجهة العدو.. يقول عليه الصلاة والسلام في وصيته لصحابته قبل انطلاقهم لغزوة مؤتة: "انطلقوا باسمِ اللهِ، لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طِفلاً صغيراً، ولا امْرأةً، ولا تَغُلُّوا، وضمُّوا غَنائمَكم، وأَصلِحُوا وأحْسِنُوا، إن اللَّهَ يُحِبُّ المحْسِنينَ"، فأين أولئك الذين شوَّهوا الدين ولطخوا سمعته بدماء الأبرياء!

لذلك قيل إنَّ أجمع آية في كتاب الله هي قوله تعالى في سورة النحل: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَان".. ما أعظمه من دين! دين عدالة وإحسان حتى مع من يعاديه ويحاربه.

وتدبر قول الحق سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ".

ويقول أهل التفسير في تلك الآية الكريمة كما جاء عند الإمام الطبري: ولا يحملنكم عداوةُ قوم على ألا تعدلوا في حكمكم فيهم وسيرتكم بينهم، فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة.

ومن كلِّ ذلك نستلهم أنَّ هذا الدين يعزِّز في أتباعه الإحسان بكل فنونه وأشكاله، وهذا رسولنا الكريم -عليه الصلاة والسلام- يُرشدنا لكي نسأل الله تعالى أن نكون محسنين حيث جاء في دعائه: "اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي".

فهو يقول يا اللَّه كما جعلت خلقي مستقيماً معتدلاً في أحسن تقويم وغاية الإحسان والإتقان، أسألك أن تُحسّن أخلاقي فتجعلها في غاية الحسن والكمال، وسؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُحسّن خُلُقَه إنما هو تعليم لنا ولأمته في طلب ما له من شأن وفضل وأثر، وفي ذلك دلالة على عظمة وشرف الإحسان في أخلاقنا، ومما يؤكده قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً"، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخُلق"، بل إن إحسانك هو من أعظم الأسباب في القرب من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، قال رسول صلى الله عليه وسلم: "إن من أحبكم إليَّ، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً".

فهيا بنا للإحسان لننال فضلا وشرفا عظيما.. وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.

تعليق عبر الفيس بوك