النحت في الزمن

نوف السعيدي

في حلقة هذا الأسبوع من برنامج "انطباعات سينمائية" تحدثت مع زميلتي أمل السعيدي حول كتاب (النحت في الزمن) لاندريه تاركوفسكي (ترجمة أمين صالح)، وأضع هنا بعض الأفكار التي تحدثنا عنها في الحلقة وبعض الخواطر الإضافية. وتاركوفسكي هو مخرج وكاتب روسي من أعماله: المرآة، القربان، نوستالوجيا.

لماذا هذا الكتاب؟

كان تاركوفسكي يبحث عن مادة تختصر نظرية السينما، وحين تعذر عليه الحصول على المادة التي يحتاجها، قرر أن يعدها بنفسه. فالكتاب يمكن أن يعد مدخلاً عامًا للسينما متضمناً خصائص وملامح من مذهب تاركوفسكي. ورغم أني لست من محبي تاركوفسكي -كمخرج- بشكل خاص والسينما الشعرية ‏بشكل عام، إلا أني أجد كتابه "النحت في الزمن" مهما ومثيرا. ‏ بغض النظر عن تقسيمات الكتاب أود عرض الأفكار "الملفتة" فيه:‏

تحويل الأعمال الأدبية إلى أفلام

لا يمر ببالي هذا الموضوع إلا وأتذكر كلام عبد الله حبيب في إحدى الأماسي حيث افتتح حديثه حول القصة القصيرة والقصة القصيرة جدًا بنكتة شهيرة عن شاب تقدم لخطبة فتاة، وعندما سأله والدها عن عمله، أجاب: "طبيب أطفال"، فرد الأب:"ليتك أكملت للنهاية". وكان حبيب يرمي من طرفته إلى أنّ القصة القصيرة جدًا هي مجال منفصل وليست نوعا "ناقصا" من القصة القصيرة. وهذا ينطبق على مقارنة الرواية بالقصة.

وبالمثل فإنّ الأعمال الأدبية هي أعمال مكتملة ومستقلة. ومسألة "تحويلها" إلى أفلام هي كمطالبة طبيب الأطفال أن يكمل للنهاية. إلا إن كانت الفكرة استخدامها كإلهام نووي يُبنى عليه، حتى الوصول إلى الشكل النهائي، أي كما تلهم اللوحة الشاعر، أي باعتبار الفنين ندين، يسيران بالتوازي ويستفز كل منهما الآخر.

الأعمال العظيمة تفتقر إلى الكمال

يناقش الكاتب مسألة الهفوات التي توجد في الأعمال الفنية العظيمة، أو بشكل أدق النقصان الذي يسمها، فيقول: "العبقري لا يتم الكشف عنه في الكمال المطلق للعمل الفني إنما في الإخلاص المطلق لذاته، في الالتزام بعاطفته الخاصة... لا أعرف تحفة فنية واحدة تخلو من نقاط الضعف أو تكون متحررة تماماً من الشوائب، ذلك لأن النزعة الفردانية التي تخلق العبقري، وفرادة الغاية التي تعزز عمله، هي ليست مصدر عظمة التحفة الفنية فحسب، بل أيضاً مصدر هفواتها".

لا وجود للتجريب في الفن

يقول الكاتب: "كيف يمكن أن تجرب في الفن؟ هل تقوم بمحاولة أو تجربة ثم ترى كيف تنتهي أو كيف ستكون النتيجة؟ لكن إذا لم تنجح المحاولة فعندئذ سوف لن يكون هناك شيء لرؤيته غير المعضلة الخاصة بالشخص الذي أخفق... هل يمكن الحديث عن التجريب في ما يتعلق بولادة طفل؟ ذلك عبث وغير أخلاقي." وهو يقول ساخرا ""فنان يبحث" هذه الكلمات مجرد ستار لقبول أي عمل رديء"

مع ذلك فهو مؤمن بأنه "لكي تكتب جيدًا ينبغي أن تنسى القواعد" كما يقول الأدباء.

العمل الفني ليس عملا فكريا

فهدف الفن أولا هو إحداث تأثير، ومس العاطفة، والعمل الجيد ينال إعجابنا أولا، ثم نسأل لماذا نال أعجابنا. إضافة إلى ذلك ففهم العمل يمكن أن يكون على عدة مستويات.

الإخلاص للحدث على حساب التوجه

يقول الكاتب إن على الفنان أن يكون وفياً للحدث، دون أن يؤثر موقفه عليه. فمثلا يقول: "الشيء الأساسي هو أن تصف الحدث وليس موقفك تجاهه. الموقف لابد أن يتضح بواسطة الفيلم ككل حين يكون طرفا في التأثير الكلي. ذلك أشبه بالفسيفساء. حيث كل قطعة منفصلة ذات لون خاص ومعين: أزرق، أبيض، أحمر. إنها مختلفة وبعد ذلك تنظر إلى اللوحة الكاملة وترى ما كان يفكر فيه المؤلف." ويقول في مناسبة أخرى: "من واجب الفنان أن يكون هادئًا. ليس له الحق في إظهار انفعاله، استغراقه، وأن يسكب كل أحاسيسه على الجمهور. إنّ أيّ استثارة بسبب موضوع ما يجب تهذيبها في هدوء جليل."

النوع الفني

العمل الحقيقي مبني على أنقاض النوع أو الشكل، فهو متحرر. هو يرفض أن يُحشر في إطار مُلزم. يسأل تاركوفسكي: "من هو شابلن؟ هل هو كوميدي؟ إن شابلن هو شابلن".

الفنان ليس سيد الوضع بل خادمه

أي أنّ المواضيع هي التي تنمو داخل الفنان وتجبره على التعبير عنها. وعليه فليس لدى الفنان ما يفخر به؛ إذ إنه مجرد وسيط أو وسط تعبيري.

الخلاصة

هذا الكتاب مهم ليس للمهتمين بالسينما وحدهم، إنما للمهتمين بالفنون أو الأعمال الإبداعية بشكل عام.

تعليق عبر الفيس بوك