ثلاثيَّة المسار النهضوي

حمد العلوي

لقد أُنجز بالأمس المسار الأول بانتخاب مجلس الشورى، وننتظر أن يتبع ذلك المسار الثاني بتعيين أعضاء مجلس الدولة، وتترقب السلطنة انطلاقة جديدة نحو المستقبل بزاد جديد، وبأمل أن يُحدث ذلك تغييراً في عمل المنظومة التشريعية والتنفيذية، بدم جديد من جيل النهضة التعليمية الذي ترعرع في بحبوحتها القابوسية الأصيلة، وبذلك تكتمل المسارات الثلاثة المنتظرة، والتي ستمثل القاعدة الأساسية التي سترتكز عليها الانطلاقة الثانية للنهضة العُمانية المباركة، التي وعد بها القائد المفدى -حفظه الله وأبقاه- في خطابه السامي بمناسبة العيد الأربعين في مدينة صلالة؛ فرُبَّما أجَّل تلك الانطلاقة أحداث عام 2011م؛ حيث استلزم الأمر إنشاء حكومة مهام عاجلة لمقابلة التزامات ملحة؛ فقد نجح جُلّها ولم تنجح كلها في إنجاز ما أوكل اليها من مهام كبار؛ حيث اتسمت بعض التصرفات بالبطء وربما بالترهل والخمول، وهذا ما عبَّر عنه البعضُ صراحة، وشكاه الناس مراراً وتكراراً دونما استجابة لهم.

... إنَّ المواطنَ العُمانيَّ يشعر بالحرج من أن يظهر تذمراً من سلوكيات بعض كبار المسؤولين؛ فهو تصيبه حساسية من نقد أي شيء يمت بصلة إلى المقام السامي -أعزَّه الله وأنعم عليه بالصحة وطول العمر- وهو يعلم أنَّ ذلك المسؤول أتى إلى الوظيفة العامة بمرسوم سامٍ، ويتمنى هذا المواطن لو كان هناك شخص ثانٍ بين المسؤول ومقام القائد المفدى، يرفع الحرج عن كاهله عندما يريد أن يرفع شكواه في مظلمة ما، عن مسؤول ما؛ الأمر الذي يجعل بعض المسؤولين يظنون أنهم على صواب طالما لا يوجد شاكون عليهم، ويعزز هذا الشعور، وجود بطانة غير مخلصة حول بعض المسؤولين، تسمي لهم القمر شمساً، والليل نهاراً، وقد لا يدري أنَّ أولئك المطبِّلين يرفعون المثل القائل "إذا سلمت ناقتي ما عليِّ من رفاقتي" شعاراً لهم، وهم كُثر اليوم مع ضعف القيم وعلو شأن الماديات.

إنَّ الأمرَ الذي يُؤسَف له أنْ تَرَى الوطن يركن إلى الهدوء والخمول، وأنَّ سببَ ذلك هو بعض أبناء الوطن أنفسهم، عندما ينظرون نظرة قصيرة تقف عند المصالح الشخصية وحسب، ولا يعملون بإخلاص من أجل عُمان ورفعة شأنها، وبالطبع ليست تلك رغبة قائد نهضة 23 يوليو، الذي عبَّر عنها يوم توليه زمام الأمور للبلاد؛ حيث قال: "كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة، وإن عملنا باتحاد وتعاون سنعيد ماضينا مرة أخرى، وسيكون لنا المحل المرموق في العالم العربي)؛ فهل فعلاً الناس اليوم تعمل باتحاد وتعاون كما طلب إليهم جلالته -أيَّده الله بتوفيقه ونصره- فقد لا يكون الكل فهم معنى التوجيه السامي، فهماً عميقاً راسخاً حتى يلزم نفسه به.

لقد اشتبه على بعض المسؤولين الأمر، ونظروا إلى التكليف بالمسؤولية كحق مكتسب ساقه الحظ إليهم، وأنساهم غض الطرف عن بعضهم وجوب نهج طريق التطوير والتحديث في المؤسسة، فأفرحهم المنصب بالمكسب، وقد حوَّل البعض المؤسسة الوطنية إلى مملكة تخصه بنفسه؛ فصار وكأنه يفاخر بها مع نفسه، ولا يفاخر بإنجازاتها لأجل الوطن، ويعمل على ترسيخ البيروقراطية الإدارية، ويستميت في الدفاع عنها، وإن المؤتمرات والندوات وورش العمل في تبسيط الاجراءات، إنما هي مجرد رتوش وإطار خارجي يبعد النحس عن المؤسسة، لذلك نشأ لدى الناس رغبة في المطالبة بوجوب التغيير لأجل التطوير وتقدم الوطن، والماء الراكد يكون آسنا في أعماقه، ولا يغير في هذا الركود إلا أن يكون لكل مؤسسة هدفان؛ أحدهما متكرر وواجب التحقيق يومياً، وثانيهما مرحلياً وبعيد المدى، فكلما وصلت المؤسسة إلى هدف يتولد عنه هدف آخر أو أكثر، تمكنا من كسر الحلقة المفرغة التي ينحبس بداخلها النظام البيروقراطي العقيم، فلا يظل يدور الجميع في تلك الحلقة المفرغة دون جدوى .. والله من وراء القصد.

safeway-78@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك