"سوسة" المحروسة

ابتهاج المسكريَّة

قرَّرتُ أن أتنحى جانبا، وأُنزل عن ظهري كلَّ الأشياء التي أؤمن بها واتبناها وأستميت لأجلها، فما الضَّير أن أجلس في دكة الاحتياط بعد لهاث جفَّف حلقي.. لنجرِّب الصمتَ، فقد اعترفت بمذهب الخرس وقررت أن أنخرط في حزبه المناهض لمبدأ "هو أنا مالي؟!!!".

تسلَّقتُ "سوسة" لجذع الفكر وبدأت ببصق وسوستها "وأخذ شيل" ساعة تأتيني بمظهر الورعين تنهرني تطعنني تهرس ثقتي بتصرفاتي، وتقول: "يا لك من منافقة كلما ألفت قوما قلت: إني معكم.. تشترين دماغك براحة هزيلة"، وبرغم أن ذاكرتي حفظتها جيدا وحفظت تعويذة طردها، إلا أنها أذكى مما تظن، وأكثر دهاءً مما تظهر لك، فهي تنهش الحواف وتأثيرها في الصلب.. هذه المرة تأتي بمظهر الهيبيز بأسمال رثة ترقص أمامي الروك، أصفِّق لها، ونجلس سويًّا في إحدى الحانات نحتسي الجعة نخب الحرية، فتهمس: "تريدين تغيريا فكريا.. تقولين بأنك سئمت هذا التخلف والرجعية.. كتفك الذي حسبته صلبا ظهرت هشاشته" عرفتها جيدا.. نعم إنها هي تعزِّز موقفها، فأكسر الكأس من أجل صحة دماغي.. أعود أدراجي لخيمتي الفكرية، أشعل النار بحطب الأحلام الكبيرة وأتدفأ بسطحيتي، أشرب أقداحَ القهوة بالهيل المُعدَّة ببن القضايا المطحونة.. يأتي ضيف من ذوي البشوت وببداوتي المعهودة المدقوقة في الدم أنشده عن حاله، بارتجال وأريحية يقول: "تقولون الجار قبل الدار.. والجار لأنه مختلف عنكم ينتفض في العراء تستلمه الضباع بعد أن وليتم له ظهوركم.. أهكذا تورد الأبل؟!".

سوسة المنحوسة من قديم وجديد. .يا لذكائها وحساسيتها المرهفة، فهي "اسم الله عليها" موهوبة في الدق على الوتر المطلوب. وأنا سئمت من الحفلة التنكرية ومطاردة راحة تبتزني بها، ولأن ويليام كامبيل ورفاقه الحاصلين على نوبل الطب هذا العام اكترثوا بالملاريا أكثر من السوسة، لا سبيل أفضل من الإذعان لها والانصياع لتهديدها "هو أنا أقدها" لا أصعب من أن تمتلك سوسة تتسكع في دماغك تحفظ أنماط تفكيرك تستعرض قائمة أحلامك فتصبح "كمن يتخبطه الشيطان من المس".

كلُّ الذين تعربد بهم سوسة لهم ذات الأعراض.. هذيان مستمر بين الوعي واللاوعي، كثيري النظر للسطح، يتخذون للجلوس زاوية بعيدة في طاولات النقاش، ردود أفعالهم تجاه الأحداث "لامؤاخذة يا نيوتن" بطيئة وغير متوقعة، يضخِّمون الصغائر ويزدرون الكبائر، لكل هؤلاء كان الله معكم ويكفيكم شر السوسة المستطير.

تعليق عبر الفيس بوك