المرأة وانتخابات مجلس الشورى.. وضرورة "الكوتا"

صالح البلوشي

انتهت انتخابات مجلس الشورى العماني للفترة المقبلة -التي تمتد أربع سنوات- بفوز مرشحة واحدة فقط للدخول إلى المجلس وهي نعمة البوسعيدية عن ولاية السيب، وقد احتفظت بذلك بمقعدها السابق في المجلس المذكور. إن نجاح مرشحة واحدة فقط في الفترة الحالية للانتخابات يجعلنا نتساءل عن أسباب عدم قدرة المرأة العمانية على الحصول على أصوات تؤهلها للدخول إلى المجلس؟ ولكن قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال لنلقِ نظرة سريعة على تاريخ مشاركة المرأة في انتخابات مجلس الشورى فربما نجد هناك إجابة عن هذا السؤال.

لقد تمَّ السماح للمرأة بالمشاركة في العملية الانتخابية اعتبارا من الفترة الثانية سنة 1994 واقتصرت على ولايات محافظة مسقط الست فقط، وفازت اثنتان بعضوية المجلس وهما شكور بنت سالم الغمارية وطيبة بنت محمد المعولية، وشهدت الفترة الثانية سنة 1997 السماح للمراة بالمشاركة في جميع محافظات السلطنة، وفازت أيضا نفس العضوتين السابقتين بعضوية المجلس، وفي الفترة الرابعة زادت نسبة مشاركة المراة في التصويت وبلغت 30% وفازت امرأتان أيضا بعضوية المجلس وهما لجينة بنت محسن الزعابية ورحيلة بنت عامر الريامية، وأما في الفترة الخامسة سنة 2003 فقد تم فتح المجال للمرأة للمشاركة في العملية الانتخابية دون التقييد بنسبة معينة كما كانت في الفترات السابقة واستطاعت امرأة واحدة فقط وهي رحيلة بنت عامر الريامية من الوصول إلى المجلس، وفي الفترة السادسة لم تستطع أية إمرأة النجاح في الانتخابات، ولكنها استطاعت الدخول إلى المجلس مجددا في الفترة السابعة سنة 2011 عن طريق نعمة بنت جميل البوسعيدية؛ وذلك عن ولاية السيب، وهي المرشحة ذاتها التي استطاعت دخول المجلس مجددا في الدورة الحالية 2015.

من يتابع الإحصائيات الخاصة والأرقام حول مشاركة المرأة في الانتخابات والترشيح؛ يجد أنها تتصاعد من فترة إلى أخرى، ولكن لا ينجح منهن سوى مرشحتين فقط على أكثر تقدير، مما يثير سؤالا مهمًّا وهو: لمن تمنح المرأة صوتها في الانتخابات؟ هناك من يُحمّلْ المرأة المسؤولية في عدم نجاح المترشحات لأنها تُفضّل دائما أن تمنح صوتها للرجل باعتبار أنه الأقدر والأكثر كفاءة لتمثيلها في المجلس لعدم ثقتها -كما يقولون- بالمرأة، وهناك من يُحمّل المترشحات أنفسهن المسؤولية ويرون أنهن لا يقمن بالدعاية الكافية لبرامجهن الانتخابية إلا قبل بدء الانتخابات بأسابيع قليلة فقط. وفي المقابل، هناك فئة كبيرة تعتقد أن المشكلة لا تكمن في المرأة؛ وإنما في العادات والتقاليد التي تُكبّل المجتمع وتجعله لا يثق في المرأة ويرى أنها غيرمؤهلة لدخول المجلس والجلوس مع الرجال والنقاش معهم، وهذا سبب مردود عليه؛ فالمرأة العمانية أثبتت طوال تاريخها أنها تملك القدرة على القيادة والإدارة الناجحة؛ خاصة بعد أن تبوأت طول السنوات الماضية بمناصب قيادية عليا في الدولة، حيث حملت العديد من الحقائب الوزارية، إضافة وصولها الى منصب وكيل الوزارة والسفيرة وعضوية مجلسي الشورى والدولة وغيرها، وأثبتت كفاءتها في جميع ذلك، وأما في القطاع الخاص فهناك شخصيات نسائية تدير شركات ضخمة بكل كفاءة واقتدار، فكيف يقال إن المجتمع لا يثق بالمرأة وهو يرى جميع هذه الإنجازات التي حققتها المرأة في الميادين المختلفة؟

أنا أعتقد أن هناك عدة أسباب في عدم نجاح المرأة دخول مجلس الشورى بشكل يتوافق مع حجمها ودورها الحقيقي في المجتمع، منها: العامل القبلي الذي لا يزال قويا في انتخابات المجلس وإن لم يكن كقوته في السابق، إلا أنه لا يزال قادرا على جمع الأصوات بشكل أكثر من المرأة، وكذلك الأماني والوعود التي يطلقها الرجل في حملاته الدعائية، وقدرته على التنقل من مكان إلى آخر وفي كل الأوقات بسهولة ويسر، عكس المرأة التي تنحصر حملاتها الدعائية أكثر على المرأة دون الرجل، كما أن من أسباب ذلك إن المرأة في كثير من الحالات لا تزال في اختياراتها في عملية الترشيح رهينة اختيار أبيها أو زوجها أو أخوانها، فهي لا تستطيع أن تصوت إلا لمن اختار الأب أو الزوج أو الأخوة التصويت له، وهناك أسباب أخرى لا يسع ضيق المجال ذكرها.

إذن، فنحن أمام واقع يجب أن نعترف به حتى نستطيع أن نجد له الحلول المناسبة، فالمرأة لا يمكن أن تظل خارج عملية صنع القرار بصفة مستمرة وهي التي قال عنها صاحب الجلالة المعظم -حفظه الله وأمد في عمره- في العيد الوطني سنة 1977: "إنَّ المرأة العمانية تتمتع بالحرية الكافية لتأخذ دورها كاملا وتحقق تطلعاتها، وإنَّ المرأة العمانية تقوم بدورها في مجتمعنا وسوف تستمر في النهوض بهذا الدور".فكيف يُترجم هذه الكلمات الخالدة إلى الواقع وهي خارج مجلس الشورى؟ وكيف تقوم بواجبها وهي لا تستطيع أن تشارك في عملية صنع القرار؟ لذلك فإني أعتقد أنه يجب النظر بجدية إلى تطبيق نظام الكوتا في انتخابات مجلس الشورى ابتداءً من الفترة القادمة من المجلس، ومصطلح "الكوتا" كما جاء في موسوعة "ويكيبيديا" العالمية هو مصطلح لاتيني الأصل يقصد به "نصيب أو حصة"، وقد "استخدم هذا المصطلح بدرجة كبيرة للإشارة إلى تخصيص نسبة أو عدد محدد من مقاعد الهيئات المنتخبة مثل: البرلمانات والمجالس البلدية للنساء وذلك لضمان إيصال المرأة إلى مواقع التشريع وصناعة القرار. باعتبار الكوتا يمثل أحد الحلول المؤقتة، التي تلجأ إليها الدول والمجتمعات لتعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة".

وقد تمَّ اقتراح هذا النظام خلال المؤتمر العالمي الرابع للمرأة، في بكين عام 1995، كآلية يمكن استخدامها كحل مرحلي لمشكلة ضعف مشاركة النساء في الحياة السياسية، أو عدم قدرتهن -لأسباب معينة- على دخول البرلمان أو المجالس الأخرى، وللحد من الإقصاء وعدم تمثيلهن أو ضعف هذا التمثيل، وقد تبنت بعض الدول العربية هذا النظام مثل العراق كما أن مجلس الوزراء اللبناني قرر عام 2010 تطبيق هذا النظام في المجالس المحلية بنسبة 20%. وبما أن المرأة طوال فترات المجلس السابقة لم تحظ بالتمثيل الذي يناسب حجمها في المجتمع فإن المهم جدا للحكومة في الفترة القادمة النظر بعين الإعتبار إلى مناقشة تطبيق هذا النظام ولو بنسبة 20% في البداية. وهنا استحضر كلمات رائعة لجلالة السلطان المعظم حفظه الله أمام مجلس عمان عام 2009 قال فيها: أن الوطن: "في مسيرته المباركة يحتاج إلى كل من الرجل والمرأة؛ فهو بلا ريب كالطائر الذي يعتمد على جناحيه في التحليق إلى آفاق السماوات، فكيف تكون حاله إذا كان أحد هذين الجناحين مهيضا منكسرا؟ هل يقوى على هذا التحليق؟"، وها نحن نشهد مجلس الشورى مجددا يطير بجناح واحد بعد أن أصبح الجناح الثاني منذ سنوات مهيضا منكسرا، فلا نعجب إذن إذا لم يستطع على التحليق.

تعليق عبر الفيس بوك