رسالة الشورى(2)

عيسى الرَّواحي

عاشتْ السلطنة من أقصاها إلى أقصاها يوم الأحد المنصرم يومًا وطنيًّا رائعًا، تجسَّدتْ فيه ملحمة الحب والولاء لهذا الوطن العزيز؛ حيث انتخابات مجلس الشورى في فترته الثامنة، والتي شهدت إقبالا كبيرا من كافة شرائح المجتمع في مختلف الولايات عبر التصويت في 107 مراكز انتخابية لاختيار 85 عضوا من بين 590 مرشحا؛ مما يُؤكِّد الرغبة الصادقة في أن يكون لمجلس الشورى دَوْر محوري بارز في سير عجلة التنمية، وهذا ما نتفاءل به ونأمله ونرجوه في أن تكون الفترة المقبلة للمجلس -بممثليها الجدد- أكثر قدرة وأشد عزما على أداء رسالة الشورى والقيام بمهام المجلس على أكمل وجه. وكالعادة؛ فقد كان حُسن التنظيم وتسهيل ويسر عميلة الانتخابات السمة البارزة فيما يسمى بـ"العرس الانتخابي"، كما كان لوسائل التواصل وتقنيات الاتصالات عبر تطبيقاتها الحديثة دَوْر كبير في تفاعل أبناء المجتمع مع هذا المشهد الوطني.

وفي مقال الأسبوع المنصرم، تحدَّثنا عن واجبات الناخب والمترشح، ونحن لا نعلم من سيحظى بهذه الأمانة وينال شرف هذا التكليف، وها نحن اليوم نكتب هذه الأسطر وقد انتهت عملية التصويت، وظهرت نتائجها، وبانت معالم الفائزين بعضوية المجلس؛ حيث وجوه جديدة ظهرت، ووجوه أخرى اختفت، وأخرى ستواصل مشوارها، وتلك نتيجة حتمية معلومة لابد منها.

وفي هذا الصدد، فإنَّنا نحسب جميع الناخبين والمترشحين -سواء الذين فازوا بعضوية المجلس، أو الذين لم يُكتب لهم ذلك- يحملون في قلوبهم حب الوطن والمواطن والرغبة في بنائه والعمل من أجله، ولا يحق لأحد أن يزايد على وطنية أحد بناء على نتائج الانتخابات؛ فالوطن للجميع، والجميع يسعى في خدمته، إلا مَنْ أظهرت أقواله وأفعاله خلاف ذلك، فإلى أولئك الأعضاء الذين سيتركون المجلس خلال فترته المقبلة نزجي وافر الشكر والتقدير وبالغ الثناء والعرفان على ما ساهموا به في مسيرة المجلس، وسعوا من خلاله جاهدين إلى خدمة الوطن والمواطن، وإلى أولئك المرشحين الجدد الذين لم يكتب لهم الفوز بعضوية المجلس فلهم منا كذلك وافر الشكر والتقدير على حبهم ورغبتهم في حمل هذه الأمانة، ونذكرهم بقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- "نية المؤمن خير من عمله"؛ فهم وإن لم يفوزوا بعضوية المجلس، فلعلهم فازوا بصدق نيتهم عند الله تعالى فيما سعوا إليه، وعليهم أن يوقنوا بأن الخيرة فيما يختاره الله.

وإلى أولئك الذين سيحملون على عاتقهم عضوية المجلس في فترته الثامنة بعد أن نالوا ثقة المواطن في تمثيله في رسم سياسات بلده، فلست في مقام تهنئتهم بقدر ما يهمنا أن نأخذ بأيديهم ونشد على عزائمهم ونذكرهم بعظم الأمانة والمسؤولية الملقاة على عاتقهم، وأن منصبهم منصب تكليف لا تشريف، راجين الله لهم أن يكونوا مما انطبق عليهم قوله تعالى: "... إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" (سورة القصص: 26).

وهم إن أدوا الأمانة، وكانوا عند حسن ظن المواطن بهم، وسعوا جاهدين إلى القيام بمهامهم وأعمالهم على أكمل وجه، وأبرزوا رسالة المجلس وأدواره، وكانوا قدوة في الالتزام بأنظمة البلاد وسياساتها؛ فحينها نقول لهم هنيئا لكم هذا الجهد المبارك الميمون، وتلك المكانة المرموقة بين أفراد المجتمع، مؤكدين ما ذكرناه في مقال الأسبوع المنصرم بأن رسالة مجلس الشورى بحاجة قبل كل شيء إلى الرغبة الصادقة الجادة الحقيقية من الحكومة في الاستفادة منها وتطبيقها، وهذا هو لسان حال المواطن الذي لا يزال يؤكد هذا المطلب الوطني بتفعيل دور المجلس وفق الأنظمة والقوانين المرسومة.

وإذا كانت هناك رغبة في أن يُؤدِّي أعضاء مجلس الشورى مهامهم وأعمالهم كما يجب، وأن تتغيَّر النظرة بشكل جذري إلى عضو مجلس الشورى عن الصورة السائدة حاليا، فبالإضافة إلى ما تم تدوينه في المقال السابق، لا بد من أمرين مهمين؛ أحدهما: يخص المواطن، والآخر: يخص الحكومة.

ففيما يخصنا كمواطنين، يجب تخفيف الضغظ الشعبي على أعضاء المجلس في السعي إلى مصالحنا الشخصية، والرجوع إليهم في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بمعاملاتنا الرسمية واللجوء إليهم في قضاء الحوائج التي لا علاقة لهم بها كمنصب؛ فواقع حال أعضاء الشورى يصور لنا معاناتهم الكبيرة في هذا الشأن حيث الكم الهائل من الاتصالات والزيارات التي تتوالى عليهم باستمرار في جميع الأوقات، وما يترتب على ذلك من هدر أوقاتهم وضياعها بين استقبال طلبات المواطنين والسعي للمطالبة بها في مختلف الجهات، إضافة إلى عدم مراعاة الاعتبارات الأسرية وتقدير الخصوصيات الشخصية في أحيان كثيرة، وهذا بلا ريب يشكل عائقا كبيرا أمام المهام والأدوار المراد من عضو المجلس أن يقوم بها.

على المواطن أن يفهم دور عضو مجلس الشورى، وأن يخفف عن كاهله ما سبق ذكره، وعلى وسائل الإعلام المختلفة أن تقوم بدور أكبر في نشر الوعي المجتمعي حول مهام وواجبات أعضاء مجلس الشورى، وعلى العضو نفسه ألا يُحمِّل نفسه ما لا يستطيع، وألا يقوم بأعمال قد تؤثر على أدواره الحقيقية.

وهذا الواقع المجتمعي في حقيقة الأمر لا يتحمله المواطن وحده، أو نرجع أسبابه إلى عدم الوعي بمهام أعضاء مجلس الشورى، وإنما الحكومة شريكٌ أساسيٌّ في هذه المسؤولية وتتحمل أكثر أسبابه؛ فضعف المجالس البلدية من حيث الأنظمة والقوانين والصلاحيات، وعدم تفعيلها بالشكل المطلوب، وبطء الإجراءات الحكومية وكثرة تعقيدها هو ما أجبر المواطنين على اللجوء لأعضاء مجلس الشورى للقيام بمهام غير مهامهم.

إننا إذا أردنا عملا حقيقيا لأعضاء مجلس الشورى في رسم سياسات الدولة، فلابد من إفساح المجال لهم كاملا لتأدية واجباتهم المنوطة بهم دون أي ضغوطات حكومية أو شعبية، وهذا يتطلب تذليل الصعوبات التي يواجهونها، ونشر الوعي المجتمعي بمهامهم، وإعطاء المجالس البلدية الصلاحيات التي يمكنها من القيام بأدوارها...والله المستعان.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك