هذه هي عُمان !

سيف بن سالم المعمري

Saif5900@gmail.com

عُرس برلماني مشهود عاشته عُمان مطلع الأسبوع الجاري والذي جاء ليترجم مراحل التطور التي شهدتها السلطنة في عهد النهضة المباركة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - أمد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية -، حيث تُعد تجربة الشورى في السلطنة من التجارب التي شهدت مجالاً واسعًا من التطور والتحديث فمنذ بزوغ فجر الثالث والعشرين من يوليو المجيد رسم جلالته - أبقاه الله - رؤية واضحة لبناء الدولة العصرية قائمة على مبادئ راسخة وقيم أصيلة مستمدة من الدين الإسلامي الحنيف وعادات وتقاليد المجتمع العُماني الضاربة في جذور التاريخ، لذا أكّد الخطاب الأول لجلالته في أول بيان رسمي لشعبه أنّ بناء الدولة الحديثة يتطلب المشاركة الفاعلة من جميع أبناء الوطن، ليعيش العُمانيون سعداء ولتستعيد عُمان مكانتها المرموقة في العالم العربي حيث قال جلالته : " سأعمل بأسرع ما يمكن لِجَعْلِكُمْ تعيشون سُّعَدَاءِ لمستقبل أفضل وعلى كل واحد منكم المساعدة في هذا الواجب، كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة وإن عملنا باتحاد وتعاون فسنعيد ماضينا مرة أخرى وسيكون لنا المحل المرموق في العالم العربي" ، لذا وجه الخطاب الدعوة الصريحة للإنسان العُماني لمد جسور التواصل والتعاون والعمل مع الحكومة في ملحمة بناء الدولة العصرية.

وفي مطلع العقد الثاني من عمر النهضة وبالتحديد في عام 1981م تم تأسيس المجلس الاستشاري بالدولة ليتطور معه مسار العمل البرلماني المؤسسي، ولتصبح الشراكة بين الحكومة والمجتمع قائمة على منهجية عملية مؤطرة، ولتأخذ تلك المرحلة حقها من التحديث وصقل تجربة المشاركة المجتمعية حتى بداية العقد الثالث من عمر النهضة العُمانية حيث تمّ تأسيس مجلس الشورى ولتبدء معه مرحلة جديدة في آلية اختيار الأعضاء فبعد أن كان الاختيار في المجلس الاستشاري بالتعيين، أصبح اختيار أعضاء مجلس الشورى بالانتخاب والذي تطور من مرحلة إلى أخرى وصولا إلى تأسيس مجلس عُمان في 1996م، والذي ضم مجلسي الدولة والذي يتم فيه تعيين الأعضاء من الوزراء ووكلاء الوزارات السابقين ومن في حكمهم، والسفراء السابقين، وكبار القضاة السابقين، وكبار الضباط المتقاعدين، والمشهود لهم بالكفاءة والخبرة في مجالات العلم والأدب والثقافة وأساتذة الجامعات والكليات والمعاهد العليا، والأعيان ورجال الأعمال، والشخصيات التي أدت خدمات جليلة للوطن، ومن يرى السلطان تعيينه عضواً بالمجلس من غير الفئات السابقة، ومجلس الشورى وأعضائه المنتخبين من الشعب.

وقد شهد العمل البرلماني في مجلس الشورى خلال المرحلة السابعة نقلة نوعية من خلال منح الصلاحيات التشريعية والرقابية لأعضاء المجلس كما تمّ ولأول مرة اختيار رئيس المجلس ونائبيه بالانتخاب الداخلي من بين الفائزين بعضوية المجلس، وليتعدى دور المجلس مناقشة الخدمات التنموية والبنى الأساسية إلى مناقشة القوانين والمساهمة في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، ولتقوم المجالس البلدية بدور مناقشة خدمات البنى الأساسية والخدمات العامة في الولايات ولتتوسع المشاركات البرلمانية من خلال تعميم إنشاء المجالس البرلمانية بجميع محافظات السلطنة بعد أن كانت مقتصرة على محافظتي مسقط وظفار .

ولعل هذا التطور جاء ليؤكد حكمة القيادة وبُعد نظرها الثاقب والذي يؤكده جلالته- أبقاه الله- في كلمته السامية أمام مجلس عُمان حيث قال جلالته :"إنّ تجربة الشورى في عُمان كما أكدنا دائماً تجربة ناجحة والحمد لله جاءت متسقة مع مراحل النهضة متفقة مع قيم المجتمع ومبادئه متطلعة إلى بناء الإنسان الواعي لحقوقه وواجباته المعبر عن آرائه وأفكاره بالكلمة الطيبة والمنطق السليم والحكمة المستندة إلى النظرة الصائبة للأمور.

وقد جرت الانتخابات خلال الأسبوع الجاريفي أجواء سادتها الشفافية والنزاهة خاصة في الإجراءات التنظيمية وذلك من خلال الاستعدادات المبكرة التي انطلقت منذ مطلع العام الجاري، وقد نقلتها وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية عبر مختلف الوسائل المسموعة والمقروءة والمرئية وفي المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، ولقد ساهمت الإجراءات التنظيمية بمزيد من الحيادية وترك المجال لحرية أكبر للناخب ليختار من يرى فيه أهلية التمثيل لولايته في مجلس الشورى، وبدورها سعت اللجنة الإعلامية لانتخابات مجلس الشورى للفترة الثامنة لتعزيز مستوى الشفافية والحيادية في الانتخابات فقامت بتوزيع أطقم الفنيين ومراسلي الإذاعة والتلفزيون في ولايات غير الولايات التي ينتمون إليها وهي التجربة التي أثبت نجاحها في الفترة السابعة، ولكن ما يؤخذ على اللجنة الإعلامية تأخرها في إبلاغ الصحفيين حيث تفاجئ مراسلي الصحف المحلية بالولايات في الساعة السابعة من مساء يوم السبت بمنعهم من تغطية الانتخابات في ولاياتهم والتوجه إلى الولايات القريبة، وإن كان موضوع التغطيات في الولايات المجاورة يُعد إضافة وتجربة مُرحباً بها من قبل الصحفيين، لكنها جاءت في وقت حرج جدًا أي قبل انطلاق العُرس الانتخابي باثنتي عشرة ساعة فقط، كما يؤخذ على اللجنة الإعلامية تأخرها في تسليم بطاقات دخول جميع الإعلاميين إلى مراكز الانتخابات حيث قامت اللجنة بتسليم البطاقات للمؤسسات الإعلامية والصحفية بنهاية دوام يوم الخميس الماضي حيث إنّ بعض المراسلين بالولايات من الصعب عليهم الوصول إلى مسقط لبعد المسافة بينها والمحافظات الأخرى، وأصبح من الأهمية أن تقوم اللجنة الإعلامية بانتخابات مجلس الشورى بإنشاء مراكز إعلامية في كل ولايات السلطنة أثناء فترة الانتخابات لتصبح التغطيات الإعلامية أكثر تنظيما وتليق بالحدث الوطني الذي أشادت به وسائل الإعلام الإقليمية والدولية.

ولتأتي انتخابات مجلس الشورى للفترة الثامنة، لتضاف حجم ملفات الإنجازات المشهودة لعُمان والتي تقدم يوماً بعد يوم أنموذجًا مشرفاً للعالمفي منهجية القيادة الواعية في بناء الإنسان المحب لوطنه والمشارك بفاعلية في مسيرة النماء، ولنفخر جميعاً بأنّ هذه هي عُمان التي نُريدها.

تعليق عبر الفيس بوك