الأسد يدخل نادي الكبار.. والأيام شواهد

علي بن مسعود المعشني

العنوان أعلاه للصحفي والإعلامي اللبناني المميز الأستاذ ناصر قنديل، واستعرته لقوة توارد الخواطر فيه بيننا، ولخندق القناعات الذي يضمنا كذلك في "زمن الربيع".

فقد شغلت زيارة الزعيم بشار الأسد لموسكو، مؤخرًا، العالم بأسره، ويكفي موقف واشنطن من تلك الزيارة وخروجها عن كل لباقة ومألوف دبلوماسي وأخلاقي حين "ندَّدت" بها؛ لنقف أمام حقيقة تلك الزيارة وماهيتها للعالم بأسره.

ولم تكتفِ الإدارة الأمريكية بالتنديد بالزيارة، بل خرجت عن "طورها" فوصفت الدعم الروسي لسوريا بأنه دعم لقتل المعارضة و"الأبرياء" السوريين!! طبعًا هذا هو التوصيف الأمريكي دائمًا للمجرمين وشُذَّاذ الآفاق طالما خدموا مصالحها؛ حيث تنتقي لهم أفضل الأسماء لتمرر وتبرر أقذر الأفعال من قبلهم. ولشيطنة الخصوم وطمس الحقائق وتشويهها.

تحاشى القيصر بوتين لغة التورية وخطاب كليلة ودمنة في هذه الزيارة، واستغلها لوضع النقاط على الحروف وليسمع الأصم وليشاهد الضرير بأن الصداقة العظيمة تصنع الدولة العظيمة، وأن روسيا لن تسمح وتحت أي ظرف أو مسمى بأن يصبح للإرهاب دول ذات "سيادة" وأعلام وعملات برعاية أمريكية ولخدمة مصالحها وتحت طلبها للنيل من الخصوم وخدمة العرش الأمريكي، وهو ما سعت إليه أمريكا وحلفاؤها وأدواتها في المنطقة لتكرار النموذج الليبي في كل من بغداد ودمشق ليكتمل محور الشر وتصبح له كيانات سياسية وقواعد على الأرض، ليلتهم العرب أطرافهم بحر مالهم ودمهم ويقدمونها قرابين للسيد الأمريكي لاحقًا، حتى تلتهب المنطقة برمتها لبضعة عقود ثم تتحلل المجتمعات الشرقية تحللا ذاتيا وتتفكك، وفي رحلة التفكك سيتم استخدام منتجات التفكك "الإسلامي" هذا لتفكيك روسيا والشرق برمته لاحقًا في صورة من صور أعلى مراتب الحروب بالوكالة عبر التاريخ.

فمسرحية سقوط الموصل بيد "داعش" كانت الحلقة الكبرى والأهم في سبيل إسقاط بغداد وإقامة الكيان الإرهابي الكبير والفاصل الجغرافي البرزخي بين طهران ودمشق، وحلقات المؤامرة على دمشق كانت تهدف كذلك إلى تنصيب دمى وأشباه رجال ينفذون المخطط بكل تفان وغباء.

برهن التحالف السوري-الإيراني-الروسي مع حزب الله وفصائل المقاومة على أنَّ التحالف الحقيقي يكون بالدم والمدد معًا، لا بالشعارات والقنوات الفضائية والحروب بالوكالة. ومن هنا، نعيد ماسبق لنا نشره وهو أن القطبية في العالم اليوم أخلاقية بالدرجة الأولى، وإن الصراع في حقيقته بين محوري الخير والشر. وسيشهد العالم اتساعًا تدريجيًا كبيرًا لدائرة الخير، حتى يعود للعالم صوابه وللشرعية الدولية قوانينها وأعرافها وللصراع والسياسة قواعدهما وما دأب عليه العقل وأقرته السوية العقلية للناس. فقد أسقط الشيطان الأكبر كل قواعد الصراع والاشتباك وسنن التدافع بين البشر، وأجبر الأسوياء والعقلاء على الالتفاف حول الجامع الإنساني بينهم في هذا الظرف الاستثنائي من التاريخ والصراعات.

سيعمل محور الشر اليوم على المماطلة في حل الأزمة السورية والأزمة اليمنية كذلك وملف أوكرانيا، بل وسيتنصلون كعادتهم مما ألزموا به أنفسهم سلفًا في حل تلك الملفات عبر التوافق الدولي والوسائل السلمية، ورهانهم على أمل سراب شيطاني فحواه استنزاف الروس عبر الأزمة السورية وبعثرة حساباتهم الزمنية في إنهاء الفصول الحادة والحرجة من فصول الإرهاب وخلق أفغانستان جديدة، على اعتبار أن الروس في فهمهم "أغرار سياسة وعسكرية وإستراتيجيات، ويُلدغون من ذات الجُحر عشرات المرات"!! وبالتالي اضطرار روسيا -بفهمهم- إلى الانسحاب تدريجيًا من المواجهة تحت وطأة الاستنزاف العسكري والمالي المنظمين والانكفاء إلى داخلها، والضعف حتى في موقفها المتشدد تجاه أوكرانيا، ومن هنا يعود السيناريو الداعشي الأمريكي إلى صدارة الأحداث وجني الانتصارات.

الحقيقة أنَّ الأمريكان ليسوا بارعين فقط في تحريف الكلم والتلاعب بالألفاظ، بل هم بارعون كذلك في الخيال المريض والكذب وتصديق ما يكذبون!! وقد نقلوا ذلك الوباء برمته إلى حلفائهم وأدواتهم في المنطقة بامتياز.

فالمنظومة الشيطانية في حقيقتها في تضاد مع المنظومة الربانية؛ فالشيطان لا يغوي العبد لمعصية عابرة فحسب، بل يجند أتباعه ويعدد شيعه ويمدهم بكل أسباب الفكر والمبررات والسبل القادرة على اختراق المنظومة الربانية واتباعها، بل ولايقتصر المد الشيطاني على الغاوين فقط، بل يسعى لتجنيد الصالحين كذلك عبر إغوائهم بالإغراق والإفراط في الملذات والنعم والإسراف فيها والغرور تحت شعارات ربانية مضيئة "ولاتنسى نصيبك من الدنيا"، و"إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"...إلخ.

فالحلف الشيطاني لا يريد العودة إلى مربع الممكن في أزمات المنطقة، رغم كل الانكسارات في مفاصل إستراتيجياته، والتي وصل في بعضها لمرحلة اللاعودة، ولكنها النرجسية الغربية وحدها والغرور الشيطاني بكل تجلياته.

لم يفهم حلف الشيطان الأكبر براعة تبادل الأدوار للحلف الروسي المضاد، ولم يفهم مغزى ورسالة الدم الإيراني لحماية بغداد بعد مسرحية الموصل، ولا الدم الإيراني على أرض سوريا والجولان تحديدًا، ويبدو أنه لم يفهم العمليات النوعية التي قام بها أنصار الله والجيش اليمني في صافر بمأرب ولا خميس مشيط والسليل ولا تدمير البارجتين الحربيتين الأحدث في العالم والمزودة بأحدث وسائل التشويش والتضليل والتسليح بصاروخين نوعيين قبالة السواحل اليمنية، ولم يقرأوا سر سحب أمريكا لقطعها البحرية من البحر الأحمر وبعض مناطق البحر الأبيض المتوسط مؤخرًا!! ولم يفهموا رسالة وجود حاملة الطائرات الصينية على السواحل السورية. كما لم يفهموا بلاشك السعي الروسي الجاد لتزامن الحل السياسي والتعجيل به للأزمة السورية بالتوازي مع الحسم العسكري على الأرض، هذا السعي الذي يهدف إلى تعزيز أوراق الحليف السوري في أية مفاوضات قادمة عبر تحقيق أعلى المكاسب على الأرض، وتعرية الطرف الآخر وإسقاطه أخلاقيًا من خلال كشف حقيقة تجارتهم بالإرهاب والدم العربي معًا ناهيك عن سقوطه العسكري.

إذا راهنوا بأن معركتهم مع روسيا في الشرق الأوسط أجدى من مواجهتهم لها في أوروبا وبوابتها أوكرانيا، فلديهم في الشرق الأوسط من المصالح ما يفوق أوكرانيا والشرق الأوروبي برمته، وعلى رأسها ربيبتهم المسماة بإسرائيل والتي استباحتها الصواريخ البدائية للمقاومة وهزت كيانها العنكبوتي الهش وقهرت الجيش الذي لا يُقهر!! وما بلع الأمريكان لتهديدهم بضربة عسكرية لسوريا إلا لمجرد التفكير بأي مواجهة عسكرية أو مغامرة نظامية مسلحة تتعدى "داعش" وأخواتها ضد حلف الممانعة. وستكشف الأيام عن سر قبول أمريكا بهزيمة مشرفة أعدتها موسكو، بعد فرد عضلاتها لأسابيع، وقبولها بخردة الكيماوي السوري لحفظ ماء الوجه ولتبقى نمرًا من ورق كحقيقتها اليوم. فاليوم يردد تيار الربيع أسطوانة: لا وجود للأسد في مستقبل سوريا، وهذه الأسطوانة تعادل خردة الكيماوي السوري لأمريكا تمامًا، وهي عنوان مبكر لهزيمتهم المشرفة المقبلة. فالروس لن يغادروا ساحة المعركة دون أن يلغوا قواعد الاشتباك في المنطقة ويطهروا الأرض السورية ويعقموها من كل تحلل وعفونة متوقعة في المستقبل.

وأترككم مع مقال الأستاذ ناصر قنديل للمزيد من المتعة والدقة والاستزادة:

"حلب يا برتقالة العيد، سيعود إليك النبض من جديد، وستهزمينهم ويفرّون كالعبيد. لم يعد يهم العدد وقد جاءك المدد ألوفاً مؤلّفة وجيوشاً متولّفة، وفي كتابك قال سيف الدولة وكتبَ المتنبي وأنشد أبو فراس لا يفل الحديد إلا الحديد. بين حلب وفلسطين حبل سرّة، تنتفضان معاً و"الداعش" واحد. تقولان ماؤنا لا يُشرب ونارنا لا تُقرب وأطفالنا قنابل وأظافرنا معاول ونساؤنا قادة ورجالنا سادة، وقد دقّت ساعة الفداء إلى السلاح. قد جاء نصر الله… افهموها. لا تستهلكوا أوقاتكم بمواقف تعرفون نهاياتها. وإذا حسبتم ما أنفقتموه عليها خلال سنة، تقولون ألف ساعة بلا طائل. ولكم المثل بما فعله بنو.... في سوريا وها هم يعودون إلى حيث كان ممكناً أن يكونوا من زمن، فذهب مالهم ورجالهم والوقت والمواقف هباء. كأن لقاء الأسد بوتين هو لقاء روزفلت ستالين عشية حملة النورماندي التي قضت على النازية وجلبت خلاص البشرية، لكنها أسست لعالم جديد بقطبين جديدين. من قال إنَّ أحداً عشية حملة النورماندي كان يأبه لغير النصر بينما هو بنصره يغيّر العالم. قد ينظر العالم كله إلى الحدث وصنّاعه بعين الحسابات. لكن التاريخ أمس كان ينظر بعينَي رجلين يخبئ لهما هداياه الكبيرة. للأسد معادلة "الصبر العظيم يصنع النصر العظيم"، ولبوتين "الصداقة العظيمة تصنع الدولة العظمى"… ولكليهما "ما توفرت للحق قوة ورجال إلا وساد العالم". هكذا حكمت فينيقيا قبل آلاف السنين. وفي زمن زوال أحجام الدول في صناعة مكانتها "يصير عالمياً من يختصر وجدان البشرية في الانتصار لحق بائن، ومن يصمد كالأبطال في وجه ظلم بائن"… الأسد يدخل نادي الكبار والأيام شواهد. لعرب يحلمون بأمجاد الماضي قدّم الأسد وصفة العظمة لأمة عظيمة بأن الدول تقاس بحجم ما تنجز للبشرية جمعاء. سيسأل هولاند ابنته غير المسجّلة على خانته العائلية يوماً من هو بطلك يا ابنتي فتقول بشار الأسد، لأنه خلّصنا من شياطين الموت. ويسألها ما حلمك فتقول: صورة تذكارية معه ومصافحة يده. وهذا ستقوله ابنتا أوباما وكاميرون. فالأطفال هم كتّاب تاريخ العظماء وكبار السن يكتبون لمن يدفع لهم أكثر".

----------------------

قبل اللقاء: يقولون بأن التدخل الأمريكي والروسي في سوريا لحماية مصالحهما، دون تعريف لهذه المصالح أو تحديدها، ونحن نقول: وهل تتطابق مصالحهما في سوريا أم تتضاد؟! وبالشكر تدوم النعم...!

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك