"صندوق النقد": السلطنة الأقل تأثرا بمخاطر صراعات المنطقة.. وأزمة النفط تهبط بالناتج المحلي دون 3%

التقرير دعا إلى ضرورة اتخاذ إجراءات "أكثر قدرة على الاستمرار" لتصحيح المالية العامة

استخدام الاحتياطيات الوقائية لتخفيف وطأة تراجع النفط يمثل "سياسة جيدة"

حاجة ماسة إلى قطاع خاص أكثر تنوعا

زيادة الفائدة الأمريكية على دول الخليج "سريعة وقوية" مع تباطؤ وتيرة الاستثمارات

الرؤية- نجلاء عبد العال

توقع تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي أن تكون السلطنة من أقل الدول تأثرًا بأخطار الصراعات الدائرة في بعض دول المنطقة حاليًا، مشيرا إلى أنه من المتوقع أيضاً أن ينخفض نمو الناتج المحلي الحقيقي إلى أقل من 3 في المئة في العام المقبل.

وتوقع تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي للمنطقة الصادر عن الصندوق أمس، أن يبلغ التغيير في الرصيد الأولي غير النفطي -17.7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في العام الحالي، ويتراجع إلى -20 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2016. وقال الصندوق في تقريره إنّ "الانخفاض في الرصيد الأولي غير النفطي في عُمان يرجع جزئياً إلى نهاية تدابير الإنفاق الاستثنائية والتراجع التلقائي في دعم أسعار الطاقة، نتيجة انخفاض أسعار النفط الدولية". وتضمنت توقعات الصندوق للسلطنة أن يتراجع رصيد الحساب الجاري إلى سالب 16.9 في المئة من الإجمالي الناتج المحلي في العام الحالي وإلى 24.3 في المئة في العام المقبل.

وتوقع صندوق النقد الدولي الجاري أن تشهد منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى نموا محدودا هذا العام بمعدل 2.5 في المئة فقط. وذكر التقرير أن النشاط الاقتصادي يمكن أن ينتعش مسجلا 4 في المئة بحلول العام المقبل، إذا ما تراجعت حدة الصراعات الإقليمية بدأ تخفيف العقوبات على إيران. وفيما يتعلق بالسلطنة.

البلدان المصدرة للنفط

وأوضح التقرير أنّ البلدان المصدرة للنفط بوسعها زيادة معدل نموها على المدى البعيد بدرجة كبيرة إذا حققت التعليم الثانوي الشامل وتمكن الطلبة من تحصيل المهارات الأساسية، وذكر أن عُمان يمكنها أن تحقق زيادة قدرها 1.7 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي، أن تحقق قطر 1.3 نقطة مئوية، والمملكة العربية السعودية 1.25 نقطة مئوية، وإيران والبحرين حوالي نقطة مئوية واحدة.

وأكد تقرير صندوق النقد أن الظروف الحالية في المنطقة تجعل تنويع النشاط الاقتصادي بعيدا عن النفط مطلبا أكثر إلحاحا، حيث أنه من المرجح أن تظل أسعار النفط منخفضة. وفي هذا الصدد، قال مسعود أحمد، مدير عام إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، إن "تحقيق الاستمرارية المالية على المدى المتوسط سيمثل تحديا كبيرا؛ نظرا لضرورة إيجاد وظائف لأكثر من 10 ملايين نسمة من المنتظر أن يسعوا للحصول على فرص عمل بحلول عام 2020 في بلدان المنطقة المصدرة للنفط". وبين التقرير أثر انخفاض أسعار النفط على النمو في بلدان منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والقوقاز وآسيا الوسطى، وأكد أن انخفاض أسعار النفط يؤدي إلى خفض النمو في البلدان شديدة الاعتماد على الصادرات الهيدروكربونية وذلك من خلال خفض الإنفاق الحكومي أساساً.

أما بالنسبة لمنطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والقوقاز وآسيا الوسطى، فإن غالبية أرباح النفط تتحقق للحكومات التي قد تلجأ إلى تخفيض نفقاتها عند انخفاض إيراداتها. وتحسبا لهذه التخفيضات- أو استجابة لها- فمن المرجح أن يلجأ المستهلكون والشركات إلى كبح مستويات الاستهلاك والاستثمار. وفي البلدان التي تطبق نظام سعر الصرف المرن، من شأن انخفاض سعر العملة أن يخفف من التأثير السلبي لانخفاض أسعار النفط على الإيرادات الحكومية بالعملة المحلية، وبالتالي يقلل من التخفيضات المطلوبة في الإنفاق العام، بالقيمة الاسمية على الأقل. أما عن الانعكاسات المحتملة على النمو نتيجة هبوط أسعار النفط 10 دولارات للبرميل دون مستوى السيناريو الأساسي الذي وضعه الصندوق وعلى أساس مستمر خلال الفترة من 2016 إلى 2020، فإنه يتوقع لمعظم البلدان المصدرة للنفط في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والقوقاز وآسيا الوسطى أن تسجل عجزا في الموازنة في إطار السيناريو الحالي، الذي يفترض بالفعل انخفاض أسعار النفط، وبالتالي فإن السيناريو الجديد يفترض أن خسائر الإيرادات الناجمة عن هبوط أسعار النفط 10 دولارات للبرميل سيتم تعويضها تدريجياً عن طريق تدابير جديدة على جانبي الإيرادات والنفقات.

الاحتياطات الوقائية

ووفقا لما ورد في التقرير فقد لجأ العديد من البلدان المصدرة للنفط إلى استخدام الاحتياطيات المالية الوقائية لتأجيل التصحيحات المالية أو تلافيها. غير أن هذا الإطار يعتمد افتراضات أكثر تحفظا على مستوى سياسة المالية العامة لغرض استكشاف مخاطر التطورات السلبية المحتملة من استمرار أسعار النفط على مستويات أكثر انخفاضاً. وأوضح التقرير أن فرق العمل القُطرية في صندوق النقد الدولي بدأت في حساب الأثر على النمو باستخدام ما يعرف باسم "مضاعفات المالية العامة"، وكانت الاستنتاجات ترى أن النمو في البلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيكون في عام 2016 أقل مما هو مقدر في السيناريو الأساسي بنسبة تتراوح بين 0.25 إلى 0.50 نقطة مئوية، وسيزداد هذا التباطؤ عمقا ليتراوح بين 0.5 إلى 1 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي خلال الفترة بين عامي 2017-2018 مع رسوخ الاستجابة الانكماشية للمالية العامة. وعلى المدى المتوسط، سيكون معدل النمو أقل بواقع 0.25 إلى 0.50 نقطة مئوية مقارنة بالسيناريو الأساسي نظرا لأن تشديد سياسات المالية العامة يستمر في تقييد النمو.

وقد يختلف التأثير الفعلي على النمو إلى حد كبير عن هذه التقديرات المتوسطة. فقد يلجأ بعض الحكومات- وخاصة الحكومات التي تتمتع بمستويات عالية من الاحتياطيات الوقائية المبدئية و/أو مستويات منخفضة من الديون المبدئية- إلى الاستمرار في عدم التعويض الكامل عن خسائر الإيرادات النفطية، وتقوم بالسحب من أصولها أو تسمح بمراكمة مزيد من الديون. وفي بعض البلدان، قد يتفاقم الأثر السلبي على النمو من تغير التدفقات المالية، وعلى سبيل المثال، قد تلجأ الحكومات وشركات النفط إلى خفض ودائعها في النظام المصرفي، مما يحد من التمويل المتاح للقروض، كما أن حدوث انخفاض حاد في سعر الصرف سيزيد مدفوعات خدمة الدين على الالتزامات بالنقد الأجنبي.

تخفيض الاستثمارات

وأشار التقرير إلى تفاقم تأثيرات ضبط أوضاع المالية العامة على المستوى المحلي، وذكر أن تخفيض الاستثمارات العامة قد تؤثر سلبا على النمو في البلدان التي تعاني من قصور البنية التحتية. وللحد من هذه الآثار السلبية، ينبغي أن تكون تخفيضات الاستثمارات مدفوعة بإعطاء الأولوية للمشروعات التي تدر عائدا مرتفعا ووفورات في التكلفة، وذلك باتباع إجراءات أكثر شفافية وتنافسية لإدارة الاستثمارات وسوف يكون إصلاح تسعير الطاقة من الخيارات الأخرى لإجراء التصحيحات المالية الأكثر دعما للنمو.

ونوه التقرير إلى استمرار الصراعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان وتزايد حدتها في بعض المناطق، موضحا أنّ هذه الصراعات تخلف أثرا سلبيا بصفة خاصة على مستوى الثقة والتوقعات، وبالتالي على النشاط الاقتصادي من زوايا متعددة، وهو أثر لا يقف على الدولة التي بها صراعات لكنها تشمل الدول المجاورة وأحيانا الأبعد من حدود الصراعات. وقال إنه على سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن البلدان التي كانت في حالة صراع خلال الخمس سنوات الماضية عانت من تراجع الناتج بنسبة قدرها 2.25 نقطة مئوية سنويا في المتوسط من جراء الصراع، وبالإضافة إلى ذلك فإن البلدان التي لم تكن في حالة صراع غالبا ما كان ينخفض معدل نمو إجمالي الناتج المحلي فيها إذا تعرضت أي من بلدان الجوار لصراعات عنيفة، كما تؤثر الصراعات سلبا أيضا على التضخم، وذلك بعد فاصل زمني لمدة سنة في المعتاد، كما توؤثر على صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة، في البلدان المتأثرة بالصراعات مباشرة وجيرانها المباشرين على حد سواء

الاقتصاد الأمريكي

أما عن تأثيرات عودة السياسة النقدية في الولايات المتحدة إلى وضعها الطبيعي على منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، فقال التقرير إنه من المرجح أن تشهد اقتصادات مجلس التعاون لدول الخليج العربية تأثيرا محايدا. وأوضح أن زيادة الطلب الأمريكي وآثارة الإيجابية على النمو العالمي سوف تؤدي إلى زيادة إيرادات تصدير النفط. ولكن في حالة زيادة النمو في الولايات المتحدة ستعود السياسة النقدية الأمريكية إلى أوضاعها الطبيعية، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة. وقد يترتب على ذلك تحييد جانب من زيادة الطلب على النفط، إذا ما أدى هذا الارتفاع إلى زيادة تقلبات الأسواق المالية العالمية التي تلحق الضرر بنمو الأسواق الصاعدة، أو إذا أدى إلى خفض الطلب على النفط لأغراض الاستثمار والتحوط.

وسوف يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية أيضا إلى رفع تكاليف الاقتراض الخارجي، وخاصة بالنسبة للبنوك والشركات في مجلس التعاون الخليجي التي تسعى لتنفيذ المشروعات الاستثمارية واسعة النطاق. وسوف يكون انتقال آثار الزيادة في أسعار الفائدة الأمريكية سريعاً وقوياً، نظرا لربط دول مجلس التعاون أسعار عملاتها بالدولار الأمريكي، وقد يؤدي إلى إبطاء وتيرة الاستثمارات الخاصة في القطاعات غير النفطية. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يتسبب تراجع الائتمان المقدم للقطاع الخاص في حدوث آثار كبيرة على النشاط الاقتصادي، المدفوع أساسا بالإنفاق الحكومي.

وأوضح تقرير الصندوق على الجانب الآخر أنّه من شأن السياسات الاقتصادية الكلية المساهمة في تقوية الآثار الإيجابية مع التخفيف من حدة التداعيات السلبية؛ حيث ستعمل أساسيات الاقتصاد الكلي القوية (ومنها النمو الاقتصادي واسع النطاق، وأوضاع الحساب الجاري المتينة، ومعدلات التضخم المنخفضة، ومستويات الدين العام القابلة للاستمرار، والأسواق المالية التي تتسم بالسيولة) على تعظيم انتقال الآثار الإيجابية إلى النمو ودعم ثقة المستثمرين، مع التخفيف من حدة أي ردود فعل معاكسة من الأسواق المالية.

وفي هذا الإطار، يرى التقرير أن قدرة الأسواق المالية على الصمود في مواجهة تقلب أسعار الأصول وحدوث انخفاض مفاجئ في سيولة الأسواق، ستتعزز باعتماد سياسات السلامة الاحترازية الكلية ورصد أدق للمخاطر. أما بالنسبة للبلدان المستوردة للنفط التي لا تعتمد ترتيبات ربط محكم لأسعار عملاتها بالدولار الأمريكي- والتي لا تزال تعاني من فجوات الناتج السالبة الكبيرة- فمن الممكن أن تنظر في مواجهة الضغوط الرافعة لأسعار الفائدة بتيسير سياساتها النقدية.

تعليق عبر الفيس بوك