الخليج تحت المجهر

سعيد الحضري

تحكم العلاقات الدولية مجموعة من الأدوات، وهي عوامل مؤثرة في تحريك الأحداث، وتحديد مساراتها وزمنها ومكانها، وبدايتها وربما نهايتها؛ ومن هذه العوامل: الأيديولوجية "العقيدة السياسية" فهي قد تكون غاية أو أداة. ومبدأ القوة، والمصالح. وعادة تستخدم القوى الدولية مزيجا من مجموعة العوامل السابقة وغيرها لتحقيق غايتها وهي السيطرة على الدول والشعوب، وندرك أنَّ نشر الأيديولوجية يجب أن يحل محل أخرى (كليًّا أو جزئيًّا)، وأنَّ القوة لا تضبطها قيم إنسانية فهي شاملة بلا رحمة، وأن المصالح دائمة لتلك القوى الدولية، ولكن الأعداء ليسوا كذلك. فإن كنا ندرك أهداف الآخرين وأطماعهم، فهل السياسات والإستراتيجيات والأداء تتناسب وحجم التحديات والأخطار؟ ونذكر أننا نحن العرب نعاني من النسيان (كم كانت ضحايا المد الشيوعي الستاليني في جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية؟ وكم ضحايا العدو الصهيوني منذ احتلال فلسطين أولى القبلتين وثالث الحرمين؟ وكم ضحايا الغطرسة الأمريكية منذ فيتنام مرورا بأفغانستان وأخيرا أرض الرافدين؟ أليْسَ التبشير الشيوعي بالعدالة الاجتماعية وفق المبدأ الاشتراكي كان المبرر للإبادة؟! أوليس شعار الصهيونية العالمية أنَّ اليهود شعب الله المختار، والعودة إلى أرض الميعاد مبرر لاحتلال فلسطين وارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني إلى يومنا هذا؟! ألم يكن التبشير بالديمقراطية الشعار الأمريكي الزائف في تدمير العراق؟! ألم يُعلن بوش الصغير أنها حرب مقدسة على العراق وأفغانستان؟ فتم تدمير الأرض وإبادة الشعب! ألم يعد بوتن استخدام شعار الحرب المقدسة للتدخل العسكري في سوريا؟! وأخيرا: أليست قوى الإبادة الثلاثة -ما بعد الحرب العالمية الثانية- روسيا وأمريكا وإسرائيل من يُدير الحرب في سوريا الآن؟ أليس إعدام رئيس دولة عربية شنقا أمام شاشات التلفاز العالمية معيارا ومؤشرا لحجمنا وعدم اكتراث الأعداء والخصوم بنا؟ نقول إن العاقل من اتعظ بغيره، والحازم من تدارك مصير أرضه وشعبه.

... إنَّ العلاقات الدولية ليست علاقات عامة بل "مصالح"، مؤطرة "أيديولوجيًّا"، والقوة العسكرية أداتها. وعليه، فإنَّ علاقة الآخرين بالخليج العربي لن يكون استثناءً في العلاقات الدولية مهما كانت الصداقة والمصلحة مع الآخرين؛ مما يجد معه التنويه إلى عوامل ثلاثة مهمة تجعل منطقة الخليج والجزيرة العربية تحت مجهر القوى الدولية؛ وهي:

أولا: الجيوستراتيجية الخليجية والجزيرة العربية؛ تكمن الأهمية الإستراتيجية للخليج من خلال موقعه وتحكمه أو قربه من الممرات المائية مثل باب المندب ومضيق هرمز والطرق التجارية البحرية، ومنذ بدأت حملات الدول الاستعمارية في العصر الحديث ومنطقة الخليج والجزيرة كانت تحت حراستها لتأمين خطوطها التجارية والعسكرية، ويضاف إليها متغير جديد وهو وجود الكيان الصهيوني وضرورة تأمينه من أي خطر يهدده من هذه الجبهة؛ فقد كان الخليج العصب المالي للعرب في الأزمات والحروب مع الكيان الصهيوني.

ثانيا: مصادر الطاقة (نفط وغاز)؛ إنَّ وجود الاحتياطيات الضخمة من النفط والغاز عامل جذب لأطماع القوى الدولية منذ اكتشافها وبسبب حاجتها إليه الآن أو مستقبلا أو حرماننا استخدامه كسلاح سياسي في قضايانا. وعليه، فإنَّنا نعيش مرحلة التحكم بمنابع النفط من خلال القواعد العسكرية للقوى الدولية.

ثالثا: رمزية (مكة والمدينة، والقدس الشريف)؛ فالعنصر المكاني تكمُن أهميته في أثره الروحي أي "الإسلام"؛ فمكة قبلة المسلمين في كوكب الأرض، وهي وحدة عقيدة ووحدة اتجاه، والمدينة رمزية صاحب الرسالة الخالدة محمد -صلى الله عليه وسلم- والقدس والأقصى ارتباط عضوي بمكة والمدينة ومدلولها الروحي؛ لذا ومن نظرة لمسارات الأحداث فإننا نخشى من البدء بمعركة المقدسات وبدايتها الهجمة الصهيونية على الأقصى أمام أعين ما يزيد على مليار مسلم، لكنهم كغثاء السيل، وظهور تعكير موسم الحج بين الفينة والأخرى والانتقاد المتكرر لكيفية أدارة المقدسات الإسلامية من إيران ربما لأهداف سياسية أو غيرها.

هذه العوامل الثلاثة كفيلة بأن تكون منطقة الخليج تحت "رادارات" القوى الكبرى؛ فالخليج مهم وخطير؛ ففي أهميته المادية ما يملكه من ثروات هائلة وهي عنصر قوة للمنطقة والأمة، بينما تراه عيون الطامعين خطرا عليها، حينما يتم توظيفها في مصلحة الأمة، لقد اجتمعت لدينا مصادر "القوة المادية والمعنوية"، ويجب أن نعترف بأننا عاجزون عن حمايتها والدفاع عنها، فالقوى الكبرى تتمركز في قواعدها في الجيوستراتيجية الخليجية لملء الفراغ من أجل تحسسنا بالأمن الذي بدا وكأنه سرابا وضمان تدفق النفط والغاز إلى مصانعهم. وفي الوقت ذاته، سوف توظف مصادرنا من الطاقة في صراعاتها الدولية وحرمان وابتزاز القوى الدولية المنافسة، وبدأت تلك القوى تعد لنا إسلاما يتوافق وينسجم مع عقائدهم السياسية أو شرعنة حروب الطوائف بالوكالة.. إذا كنا ندرك حجم المخاطر فيجب علينا أداء الدور الذي يتناسب وعلى أصحاب القرار أن يعلموا أنَّ من يحمي الدول والسيادة هو الشعب، وأننا بحاجة إلى نظرية في إدارة الحكم تتناسب وضرورة المرحلة وخطورة المستقبل تنبثق من ذاتنا لإعمار الأرض وحمايتها والدفاع عن العرض.

alhadhris@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك