تضحيات من أجل الوطن (2-2)

هلال الزِّيدي*

تُعتبر المرحلة المقبلة هي مرحلة تطلعات إلى إيجاد توازن بين مطلبات الحياة المتدفقة (الاستهلاك) وبين قدرة الموازنة العامة على الإيفاء بالالتزامات الضرورية؛ لذلك فإنَّ التفكير في إيجاد بدائل عملية لردم الفجوة الحاصلة بين مسار الاستهلاك وبذرة الإنتاج من المهم جدًّا في ظل الظروف المقبلة؛ وبالتالي فالعمل يكون جماعي ولا يلقى على عاتق الحكومة، فكل فرد في المجتمع وأولهم المسؤول (وزير، وكيل، تاجر...) عليهم أن يقدموا تنازلات عملية لمواجهة أي تحدٍ قادم يزعزع التكامل الاجتماعي وإيجاد معيشة كريمة.

وفي مقابل ذلك، وكما يُقال بأن الشيء بالشيء يذكر، فإنه من الضروري جدا وعند ذكر الآراء التي تحدثت في شؤون الأزمة المالية ورفع الدعم عند المحروقات، فإنَّه آن الآوان أن نُعطي الآخر حرية التعبير، كما طالبنا بها ذات يوم؛ لذلك علينا ألا ننظر إلى آرائنا فقط مع تجاهل الآخرين، ولكل فرد رأيه في التعاطي مع قضية انخفاض أسعار النفط، وتأثر الموازنة العامة بذلك، والبحث في رفع الدعم عن المحروقات أو أي حلول ناجعة تغطي جزءًا من العجز العام؛ لذلك كان من المهم جدا أن ينتبه البعض إلى جوهر القضية دون خلط الأوراق بعضها ببعض؛ حيث شنَّ الكثيرون على من قال رأيه ووجهة نظره هجوما ووصفوهم بأنهم أقلام الحكومة وغيرها من الأوصاف، وبهذا الفهم سندور في دائرة ضيقة نناقض بها أنفسنا، وسيؤثر ذلك على آلية البحث عن حل لا يؤثر في مختلف فئات المجتمع، ولا نرضى ألبتة بأن يتعرَّض الكُتَّاب للاتهامات والأوصاف النابية من قبل بعض من فئات المجتمع؛ لذا أقول لهم "ما هكذا تورد الإبل".

لا ينكر الجميع أنَّ هناك فئات تحتاج إلى عناية خاصة، وهذا جانب لم تغفله الحكومة أبدا ولا يمكن أن تكون هذه الفئات ضحية لأي قرار تصحيحي؛ لأنَّ حياة المواطن خط أحمر لا يُمس، وهذا ما سمعناه من قبل أصحاب القرار؛ لذا فمن البديهي أن نقف وقفة واحدة ندفع بها أي خطر ربما يحدق بهذا الامتداد، ولا بد أن يقدم المواطن على هذه الأرض تضحية بقدر استطاعته لها لأنه واجب وطني.

... إنَّ من بين الأحاديث السائدة في الوقت الراهن كثيرة، أن هناك من يربط الأزمة النفطية بأسباب التجاوزات التي "ربما" قام بها بعض ممن يمثلون الحكومة في عدد من القرارات؛ لذلك فعند مناقشة وضع كهذا، علينا أن نفكر قليلا في الدوافع التي تدفع الآخرين إلى مد أيديهم على المال العام مثلا، وما ألاحظه هنا تلك البطانة التي تسترت ودفعت المسؤول إلى التوجه إلى هذا الطريق، فكيف ننادي بالشفافية ونحن نشترك في أخذ أموال عامة وبشتى الطرق والوسائل، ولا يمكن أن نشرّع العملية في حالة حدوث سرقة من المال العام بأنه يجوز لي ولغيري الأخذ دون وجه حق بـ"إن سرق فقد سرق أخ له من قبل"، لذلك إن كان هناك عمل سلبي سائد فهذا لا يمنحني الأحقية بارتكابة لأن "س" من الناس قام به.

أنا هنا لا ألزمكم برأيي هذا، ولا أمارس دور الوصاية الاجتماعية؛ لذلك ولأننا نعيش في بلد يحترم الرأي الآخر، أحببتُ أن أضعَ رأيي بما يمليه عليَّ ضميري، حتى وإن كان هناك من لا يتفق معي فيما أطرحه؛ فالاختلاف وارد في شؤون البشر منذ خُلقت الأرض، وحتى يرثها الله جل وعلا.

لقد بات من المهم أن تتجه الحكومة إلى الاستثمار في مختلف المجالات، لا سيما منها الجانب السياحي، وضرورة إيجاد إستراتيجيات فاعلة على أرض الواقع، تتفق والهوية العمانية حتى لا نقع في مغبة السياحة الغير موزونة، لأنه وكما يُقال فإن السياحة إباحة إذا أطلقت على عواهنها دون وجود مقاييس ومحاذير من التوجه إلى سياحة الأبواب المفتوحة على مصراعيها؛ لذا يجب العمل على نهج لا ضرر ولا ضرار، كما أنه من المهم أن يكون هناك دور فاعل وكبير للقطاع الخاص، خاصة المؤسسات الكبيرة من حيث وضع ضرائب تساهم في موازنة الدولة، كونها تستفيد من كثير من الإعفاءات الضريبية في ممارسة خدماتها في المجتمع، ولا أنسى هنا أصحاب رؤوس الأموال الذين من الواجب عليهم أن يقدموا تضحيات اجتماعية يسجلها التاريخ في هذه الأرض.

عند وقوع الخطر، الجميع سواسية في مواجهته، مع التشديد على قدرة الفرد في المجتمع، أي: علينا أن نتقاسم التضحية كل حسب قدراته المادية والمعنوية، وبهذا نستطيع أن نحقق التكامل ونمارس مبادئ التكافل، ونغرس في نفوس الأجيال معاني الوقوف في صف واحد لا يتزعزع مع المتغيرات المتلاحقة، فجميعا نقف، وفرادى نسقط.

هناك الكثير من الأمور التي يجب أن تُعيد الحكومة النظر فيها؛ ومنها: دمج وزارات مع بعضها البعض، وإلغاء بعض الامتيازات التي تمنح لبعض الموظفين في بعض المؤسسات وهي كثيرة ومعروفة لدى أصحاب القرار، وتقليل بعض الفعاليات والمؤتمرات والاحتفالات التي تستنزف الأموال بنتائج هزيله؛ وذلك من أجل أن تكون الحكومة أولى المضحين في ترشيد الاستهلاك الحكومي ومعالجة الترهلات التي ظهرت وبقوة على سطح الكثير من الوزارات الخدمية.

---------------------------

همسة:

"مهما كانت التضحية لاحتواء ما يمكن احتواؤه، إلا أنَّ هناك أجسادًا لا تفقه معنى التضحية؛ فتراها تجني لنفسها متناسية التراب الذي عاشت فيه، ولا ضير أن نعيش، لكن علينا أن نترك المجال للآخرين أن ينالوا معيشتهم".

 

*كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك