"أرابيسك" السوبر المصري

المعتصم البوسعيدي

وانفضَّ السامرعن كأس السوبر المصري بعيدًا ـبالحس المادي على أقل تقديرـ عن أهرامات الجيزة وقاهرة المعز وخان الخليلي، بعيدًا عن الحسين والأزهر والسيدة زينب وشوارع المهندسين، بعيدًا عن رائحة الكتب في وسط البلد وعن أكثر من سبعين ألف متفرج على مدرجات استاد القاهرة الدولي، بعيدًا عن الإنسان المصري الذي عاش ويعيش تفاصيل الأهلي والزمالك منذ السنوات الأولى من القرن العشرين، بعيدًا عن نميمة مقاهي الفيشاوي والحرافيش...وغيرها. نعم.. بعيدًا انتهت القمة المصرية بخروج (الشياطين الحُمر) من سجن الفانوس متفوقين على أبناء مدرسة الفن والهندسة.

المشهد المصري على الأراضي الإماراتية جاء باهرا وجميل الصورة، وليس بجديد أن يُلعب سوبر دولة في دولة أخرى؛ فهذا بات ديدن بعض مباريات السوبر العالمية وحتى العربية كما حدث للسوبر السعودي، بما يكفل الاستثمار والتصدير الناجح للبطولة، ولن أدخل في التفاصيل الفنية التي أُشبعت بها المباراة قبل بدايتها وأثناء سيرها وبعد نهايتها ولا أدعي أنَّني مُحلل فني، وربما مقالي سيتقاطع قليلاً مع مقال "قُبلة الحياة للكرة المصرية وصفعة الإدانة" للأستاذ الكبير حسن المستكاوي، لكنَّ شرارة الفكرة قدحتها ذاكرتي التي اضطرتني لإعادة مشاهدة 41 حلقة كاملة من مسلسل أرابيسك؛ فقط لأن السوبر المصري أو الوضع المصري بالأصح -في اعتقادي- جاء وسط حاجة مصرية ملحة لشخصية مثل شخصية (حسن أرابيسك).

حسن أرابيسك بطل المسلسل، وقبل ذلك بطل رواية الراحل أسامة أنور عكاشة، حسن ابن (الصنعة) في ورشة المحروسة، وفتوة (الحتة) في (خان دويدار)، ومثال المحافظ على الهوية مع كل الأوضاع المحيطة وتقلبات الأيام، وصاحب التضحيات الكبيرة في الحُب والمال والجاه، علاوة على صدق التعامل وسط أحلك الظروف (وجدعنة) المواقف، وسماحة النفس والعفو عند المقدرة، وحالة التغيير التي يُحدثها دون السعي لتغيير الآخرين بشكل مباشر؛ فالآخرون من حوله يتفاعلون معه وهم جزء منه فتجدهم يتقبلون حتى عثراته وأخطائه مهما كانت، وهؤلاء الآخرون لا يقلون عنه بسِماتِهم وصِفاتِهم، بل إنَّ (ابن النعماني) يحرصُ كثيرًا على أن يتعلم منهم ويستمع لنصائحهم؛ بهذا تكونت "كاريزما" حسن وتجلى تفكيره العميق تجاه أي قضية مما قاده لـ"هد حيطان وبيوت" لأنه عرف هو من؟! وماذا يريد؟!

ويتسأل القارئ مع علاقة ذلك بالأهلي والزمالك؟! أقول إنَّ الفرح بات "المهدي المنتظر" الذي ترقبه الشعوب في وطننا العربي الكبير والإسلامي الأكبر، الفرح الذي غيبته ظلمات السياسة وتخلف الفكر والعروش الخاوية من المعرفة والعمل الحقيقي لبناء الأمم الذي كلفنا تنازلات كبيرة؛ أهمها: قيادة الحضارة الإنسانية، ومصر الحبيبة ليست ببعيدة عن ذلك، كيف لا وهي أم الدنيا وحاضنة العروبة، ومدرسة الألف باء في مختلف المجالات التي منها كرة القدم بلاعبيها ومدربيها وأساتذتها، وحقيبة السفر التي طافت معظم البلدان خاصة الخليج العربي؟!

لقد ولِدنا على الأهلي والزمالك، على سؤال الشقيق المصري كلما التقيناه: "إنت أهلاوي ولا زملكاوي؟!" ما كان حسن أرابيسك سيترك الأحمر والأبيض ليتغربا، ليس لأن ذلك صح أو خطأ؛ بل لأنه سيرى من الدائرة الضيقة العميقة أن المصريين بحاجة لمطر الفرح؛ إذ يغسل شوارعهم، كان سيُجازف بنفسه لينشر الابتسامة الناصعة الصادقة، كان سيبكي لفقدان حبيب وابن بلد اضطرته الحياة وناسها للغربة أو السرقة أو المخدرات أو القتل، الأهلي والزمالك كقطعة الأرابيسك، كثيرون يبيعون ويشترون فيها ويغتنون منها، فهل سألنا ذواتنا عن ماهية هذه القطعة؟ وكيف صُنعت؟ وعلى نفس طريقة حسن ورؤيته، أقول: إنَّ الأهلي والزمالك فن مصري خالص لا يتقنه الجميع، وصانعها ليس عاملا أو مجرد (أُسطى)، بل هو فنان يحترم فنه، قد يتعرض هذا الفن للتزييف وسوء الاستغلال، إنما عند من يعرفون قيمة الأشياء وثروتها سيدركون أن البلد (أحق) بها وإن (جارت عليه) والطريق كما يردد العم لطفي من على (كشك الحلويات) حين يقول: "نور الكريم على الطريق آية، سبحانه".

لحظة الصدق مع النفس والكف عن "اتهام الغير" والتجرد من الأنانية ستمنح القلوب الحقيقة كما ينبغي، الأهلي والزمالك ثروة لا يمنع تسويقها والاستفادة منها، وليس هنا "مربط الفرس"، بل الخروج بخلاصة معطيات السوبر المصري الأخير مع الوضع في الداخل، و"بتتر" نهاية مسلسل أرابيسك أختم بكلمات سيد حجاب: "دنياك سكك، حافظ على مسلكك.. وأمسك في نفسك لا العلل تمسكك.. وتقع في خيه تمسكك.. أهلك، يا تهلك دا أنت بالناس تكون.. ويرفرف العمر الجميل الحنون".

تعليق عبر الفيس بوك