رسالة الشورى (1-2)

عيسى الرَّواحي

تعتبر الشورى في الإسلام من المبادئ الضرورية في شؤون الأمة، وقاعدة من قواعد الحكم الإسلامي، كما يعتبر منهج الشورى من إسهامات الحضارة الإسلامية في ازدهار الحضارات الإنسانية على مر التاريخ؛ إذ لم تعرف الأمم والشعوب قبل الإسلام هذا المنهج القويم، وقد أمر الله تعالى بتطبيق هذا المنهج في كتابه العزيز؛ حيث يقول تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْوَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَفَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِفَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" (سورة آل عمران: 159)، بل إنَّ سورة في القرآن الكريم جاءت بهذا الاسم (الشورى)، ويرى بعض العلماء أنَّ الشورى واجبة كوجوب الصلاة والزكاة، مُستدلين على ذلك بوقوع آية الشورى في سورة "الشورى" بين ركني الصلاة والزكاة، يقول الله تعالى: "وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ" (سورة الشورى: 38). وعليه، فإنَّ الأمة الإسلامية مطالبة بتطبيق هذا المبدأ الإسلامي العظيم في شؤون حياتها كي تحقق لأبنائها حياة الأمن والاستقرار والرخاء والازدهار.

وإذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد طبَّق هذا المنهج في سيرة حياته وهو المؤيَّد بالوحي الإلهي،فيعني ذلك أننا أحوج ما نكون إلى تطبيقه في واقع حياتنا. ولا ريب أن تغييب الشورى من واقع حياة المجتمعات والشعوب سيؤدي حتما إلى التسلط في الحكم والاستبداد في الرأي والعنجهية والتزمت والتخبط في القرارات والأحكام؛ فتضيع على إثره الحقوق والواجبات، وتكثر المظالم والنزاعات، وينحرف الحكم، ويعم الضياع والدمار.

وحديثنا عن الشورى يتزامن مع استعدادات الوطن العزيز ومواطنيه الأوفياء للحدث الوطني المرتقب في الحادي عشر من محرم لعام 1437 للهجرة، الذي يوافقه الخامس والعشرون من أكتوبر الحالي بمشيئة الله تعالى؛ حيث انتخابات مجلس الشورى في فترته الثامنة، والمتتبِّع لتجربة منهج الشورى في وطننا العزيز يجد أنها خطت خطوات إيجابية وتطورات مستمرة بدءا من إنشاء المجلس الاستشاري عام 1981م وحتى يومنا هذا، ولكن المواطن لا يزال يأمل في أن تؤتي مسيرةالشورى ثمارها على أرض الواقع بشكل أكبر ونتيجة أفضل، بما يسرِّع في مسيرة البناء والتنمية، ويحقق أعلى درجات العدالة والرخاء للوطن والمواطن.

إنَّ واقع الحال يصوِّر لنا محدودية رضا الشارع العماني -بمن فيهم أعضاء مجلس الشورى أنفسهم- عمَّا يقدمه المجلس في البناء والتطوير، وهناك من يرى أن مجلس الشورى تطغى عليه أُبهة المظاهر والشكليات أكثر من الدور الحقيقي المأمول رغم ما يتمتع به من صلاحيات تشريعية ورقابية؛ حيث من مهامه مراجعة القوانين وتعديلها وإضافة قوانين أخرى إضافة إلى أدواره الرقابية على الوزارات، ولكن: لماذا لا يزال تأثير المجلس محدودا إلى حد كبير؟!

إنَّ هذا الإجابة عن هذا التساؤل تعود إلى أحد سببين أو كليهما حسب وجهة نظري ورأي بعض المختصين، وهي إما إلى نقص خبرة أعضاء مجلس الشورى ومحدودية كفاءتهم في مراجعة القوانين والتشريعات وعدم فهمهم لمهامهم بالشكل الصحيح، وهذا بلا شك لا ينطبق على الجميع. وإما إلى الضغوطات التي يُواجهها المجلس من قِبل الحكومة في مهامه وأعماله وصلاحياته؛ بحيث إنَّ الحكومة ليست جادة في الاستفادة من المجلس الاستفادة الحقيقية، وغير راغبة بالشكل المطلوب في أن يؤدي المجلس أدواره المنوطة به، وإنما كما أشرنا تود أن يغلب على المجلس الطابع الشكلي، وهذا ما يصرح به بعض أعضاء المجلس تحت قبة الشورى، إضافة إلى أن استبعاد بعض أعضاء المجلس الحاليين للترشح للفترة المقلبة لغير أسباب مقنعة قد يعود للسبب الثاني.

إننا نأمل من الحكومة تطبيقا فعليا جوهريا لمبدأ الشورى كما جاء به الشرع الحنيف، وبما يحقق خدمة الوطن والمواطن، وأن تتاح لعضو مجلس الشورى كافة الصلاحيات المنوطة به، وتوفر له كل البيانات والمعلومات التي يحتاجها في مهام عمله وأداء واجباته، وأن توسع صلاحية المجلس الرقابية بحيث لا تقتصر على بعض الوزارت دون الأخرى.

وبما أنَّ المجلس له تلك الصلاحيات التشريعية والرقابية، وتناط به الكثير من المهام والواجبات، فإن ذلك يقتضي أن يكون المترشح لعضوية المجلس أهلا لحمل هذه الأمانة، وقادرا على أدائها بالوجه المطلوب، متصفا بالصفات التي تؤهله لأن يكون عضوا فاعلا، فليست عضوية مجلس الشورى للوجاهة والمظاهر، وإنما هي تكليف وأمانة ومسؤولية تجاه الوطن والمواطن، وصاحبها قبل ذلك مسؤول ومحاسب أمام الله تعالى، كما يجب أن يكون قدوة في الامتثال للأنظمة والقوانين بالدولة، وأن يترفَّع عن السعي لتحقيق المآرب الشخصية من خلال منصبه على حساب واجباته ومهامه، مع ضرورة وأهمية أن يكون متابعا للأحداث وتقارير الأداء في الوحدات الإدارية، وأن يكون عرض المشكلات والمقترحات والآراء بأسلوب علمي مقبول في كافة المواقع، وأنْ لا تقتصر أدواره ومهامه على قريته أو ولايته فحسب، وإنما واجباته تشمل الوطن بأكمله، وليحذر أشد الحذر من العقوبة الإلهية وخيانة الأمانة في أن تسول له نفسه بشراء أصوات الناخبين؛ فذلك جرمٌ كبيرٌ وإثمه ومسؤوليته تقع على المترشح والناخب على حد سواء.

ونحن إذْ نُحسن الظن في جميع المترشحين لعضوية المجلس ونحسبهم جميعا أهلا لذلك؛ فإننا نأمل أن يكون الأكثر كفاءة والأجدر أهلية هم أصحاب العضوية للمجلس خلال الفترة المقبلة، وهذه مسؤولية الناخبين.

نعم... فالناخب هو الآخر أمام أمانة من ينتخب؛ إذ عليه أن يبتعد عن جميع الاعتبارات الاجتماعية في هذا الشأن، واضعا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، ومراقبا الله تعالى فيمن يختار، وهذا يقتضي منه أن يكون على اطلاع -ولو بشكل يسير- على سيرة المترشحين في ولايته، فينتخب من يراه الأكثر مقدرة وكفاءة في تمثيل ولايته؛ فأعضاء المجلس في النهاية إنما يمثلون صوت الوطن والمواطن بعد اختيارنا لهم، وهناك من سيصل إلى المناصب الوزارية فيما بعد، فليس من مصلحة أحد أن يكون عضو الشورى المنتخب من غير ذوي القدرة والكفاءة.

وللحديث بقية في مقال آخر بإذنالله تعالى...!

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك