مؤتمر الجمعية الاقتصادية العمانية الثامن يوصي بإعادة النظر في منظومة التخطيط الاقتصادي واعتماد منهج علمي يقوم على إدارة الأداء

دعا إلى رسم إستراتيجية وطنية للحوكمة والمساءلة تشمل جميع الوحدات الحكومية

الرُّؤية - أحمد الجهوري

أوْصَى مؤتمرُ الجمعية الاقتصادية العمانية الثامن "التنمية الاجتماعية بين المزايا والاستدامة"، في ختام أعماله أمس، بصياغة واعتماد رؤية عامة للدولة لتمثل المرجعية الأساسية للخطط الحكومية وأدوات تنفيذها، وتتوافق معها رسالة وأهداف وآليات تنفيذ الوحدات الحكومية لإستراتيجياتها، وضرورة إعادة النظر في الهيكلية الإدارية للحكومة ونظم عملها، وإعادة صياغتها لتشتمل على قواعد وإجراءات تمكن من تفعيل الإدارة العامة وأجهزتها، والحد من تعقيدات وبطء الإجراءات الحكومية، والتنسيق بين مختلف الوحدات الحكومية بما يُسهم في تحسين تنافسية السلطنة والتمكين من تحقيق أهداف التنمية.

كما أكد المؤتمر على أهمية تفعيل الدليل الوطني للتنمية "عمان التى نريد" الذي اقترحته الجمعية الاقتصادية العمانية، والذي يمثل رؤية إستراتيجبة جديدة للسلطنة لبناء نموذج اقتصادي جديد يتسم بالتنويع والشمولية والديناميكية، ويعزز الإنتاجية في قطاعات ذات قيمة مضافة لمواجهة التحديات المستجدة بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة بأبعادها الخمسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والمؤسسية؛ حيث تؤكد تطورات الأحداث الاقتصادية زيادة المخاطر الاقتصادية والأمنية؛ بسب عدم استغلال عنصر الوقت وتطوير منهجية التخطيط.

ودعا المؤتمر إلى ضرورة إعادة النظر في منظومة التخطيط الاقتصادي والانتقال من الاسلوب التقليدي الحالي، إلى أسلوب علمي يعتمد على إدارة الأداء، ويكون قادراً على تحقيق أهداف محددة قابلة للقياس ويفعل آليات التنسيق بين الوحدات الحكومية المختلفة ويعالج إشكاليات التداخل فيما بينها، وكذلك إيجاد نظام للتقييم والمتابعة يشتمل على مؤشرات لقياس الإنجازات وما يجب تحقيقه من خلال الأهداف السنوية.

كما دعا إلى رفع مستوى ثقة القطاع الخاص في الأداء الحكومي الذي تسبب في انحدار مستوى تنافسية الاقتصاد الوطني في مؤشر التنافسية العالمي؛ وذلك من خلال تبنِّي سياسات اقتصادية واضحة وإزالة تشوهات سوق العمل دون الإخلال بمعايير العمل الدولية مع ضرورة الحفاظ على حقوق جميع الأطراف والحاجة لتطوير نظام التعمين الحالي ليتمكن من تنويع مصادر الدخل، وتعزيز الاستثمارات في قطاعات منتجة تولد فرص للعمل اللائق.

وضرورة دعم وضع نظام وطني للنزاهة يتضمَّن تقييما للإدارات والمؤسسات العامة ويسلط الضوء على مواطن الضعف التي تتهدده، ويعزز التعاون بين كافة القطاعات والمؤسسات العامة، ويدفع نحو استحداث المؤسسات المفصلية الواجب تواجدها لضمان سيادة القانون والتنمية المستدامة.

تفعيل الحوكمة

وأوْصَى المؤتمر بضرورة قيام جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة في إطار أهدافها المعلنة بمتابعة ملف الحوكمة في كافة قطاعات الدولة؛ وعلى النحو الآتي: وضع نظام للحوكمة والمساءلة لا سيما في الشركات التي تمتلك الحكومة حصصاً فيها، مع ضرورة الإفصاح عن الاجراءات الكفيلة بتحقيق ذلك وتحديد آليات المتابعة والتنفيذ، وتنفيذ التزامات الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ونشر تقرير المراجعة الدوري الذي يرفع للأمم المتحدة، مع خطة استكمال تطبيق الاتفاقية، ورسم إستراتيجية وطنية للحوكمة والمساءلة لتشمل جميع الوحدات الحكومية في الدولة، مع وضع خطة تنفيذية وفق جدول زمني.

وضرورة قيامها بمتابعة الجهات المعنية الاخرى بتفعيل دور المجتمع المدني والسماح له بالقيام بدوره في المشاركة وتعزيز الحوكمة والمساءلة في الحكومة وفي ثقافة المجتمع، ومراجعة التشريعات المعنية بالحوكمة في القطاع الخاص، واستكمالها، ومتابعة تنفيذها ووضع معايير تضمن احترام حقوق الإنسان.

واعتبر المؤتمر هذه التوصيات هي المفتاح لمعالجة تداعيات انخفاض أسعار النفط وعجز الموازنة وعلاج مشكلة الباحثين عن عمل وتقليص حجم العمالة الوافدة وتحقيق الأمن الاقتصادي للسلطنة؛ وبالتالي تحقيق الأهداف الاجتماعية والإسراع في استكمال البيانات الإحصائية اللازمة لإدراج السلطنة في مؤشر التطور الاجتماعي الدولي وبذل المزيد من الجهود من أجل اقتراح أفكار لتطوير مفهوم التنمية البشرية المستدامة من منظور تجربة منطقتنا، بما في ذلك اقتراح وتطوير أدلة جديدة للتنمية البشرية للدول العربية مع الاستفادة من البيانات المتوفرة لقياس الدليل والعمل على تحسين نوعية البيانات والمؤشرات الوطنية، وضرورة التنسيق مع المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في مجال تقييم سياسات الحماية الاجتماعية، وضرورة تأطير تنظيم مبادرات المسؤولية الاجتماعية لتوجيه الموارد المتاحة وبمجالس إدارة مستقلة ممثلة بالمنشآت وممثلين حكوميين وتمثيل مجتمعي، وضرورة قيام وزارة التربية والتعليم بتعميم التعليم ذي النوعية الجيدة على الجميع، ووضع نظام تعليمي خاص لتنمية الطلاب الموهوبين في مختلف المجالات بما يلبي احتياجاتهم الأكاديمية والعقلية وتطوير المناهج التربوية، وبما يُسهم في تطوير الموارد البشرية ويستجيب إلى احتياجات سوق العمل.

أطروحات متنوعة

الجدير بالذكر أنَّ المؤتمر شمل مجموعة من أوراق العمل تم تقديمها على يومين، حيث تناولت جلسات العمل في يومها الثاني العديد من المحاور وأوراق العمل؛ حيث كان عنوان ورقة العمل الأولى سياسات تحقيق التنمية الاجتماعية المستدامة قدمها الدكتور عبدالعزيز بن محمد الهنائي، كما قدم فيها أحمد البوسعيدي من الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية ورقة عمل بعنوان: "تصور عام عن الحماية الاجتماعية في سلطنة عمان" عرض فيها عام للحماية الاجتماعية في سلطنة عمان بحسب وجهة نظر الهيئة العامة للتامينات الاجتماعية؛ حيث تطرق بإيجاز إلى بعض التشريعات الخاصة بالحماية الاجتماعية وأنواع الحماية الاجتماعية والتحديات التي تواجهه أنظمة الحماية الاجتماعية في سلطنة عمان، واستعرض بعد ذلك الدكتورعبدالفتاح الزين أستاذ باحث بالمعهد الجامعي للبحث العلمي بجامعة محمد الخامس بالمملكة المغربية، ورقة عمل بعنوان "توزيع الدخل والتنمية الإقليمية"؛ تطرَّق فيها إلى المسألة التنموية بالتحليل من خلال معالجة المنهج الإرشادي الذي تقوم عليه هذه التنمية والمعايير التدبيرية التي تحتكم إليها والحقوق التي تهدف إلى تلبيتها أو مواكبتها، كما تمحورت عناصر هذه الورقة حول قضايا التنمية بين المفهوم والنموذج، والتنمية بين التحمل والاستدامة، والتنمية المحلية والجهوية رافد جديد في التنمية الوطنية.

وكان آخر أوراق العمل المقدمة في المحور الأول بعنوان "دور المشاركة والعدالة الاجتماعية في نموذج التنمية المستقبلية" قدمها الدكتور أسامة الصفا من "الإسكوا" وتلخص هذه الورقة في اقتباس مباشر مجموعة من البحوث قدمتها الإسكوا في ورقة مرجعية حول موضوع العدالة الاجتماعية وعلاقته بالنظم الاقتصادية-الاجتماعية وكيفية ترجمة ذلك في المنطقة العربية، خاصة في ظل إطلاق أهداف التنمية المستدامة لما بعد 2015 والتي تعرف الآن بإطار التنمية 2030. كما تركز هذه الورقة على أهمية المشاركة كركيزة أساسية في دفع أجندة العدالة الاجتماعية إلى الأمام والنهوض بعملية التنمية.

كما تم في المحور الثاني عرض مجموعة من أوراق العمل كان عنوان الورقة الاولى تجارب وحالات عملية في التنمية الاجتماعية قدمها الدكتور حاتم الشنفري، وحمل عنوان الورقة الثانية التجارب الدولية الناجحة في في مجال شبكات الأمن الاجتماعي قدمها الدكتور نضال ابن الشيخ خبير في مجال الحماية الاجتماعية لخص ورقته بتقديم عرض حول التجارب الدوليّة الناجحة في مجال إدارة شبكات الأمان الاجتماعي أو المساعدات الاجتماعية والتي يمكن الاستئناس بها في سلطنة عمان للرفع من نجاعة وكفاءة برنامج "الضمان الاجتماعي". وعرض أهم المفاهيم المعتمدة دوليا في هذا المجال من طرف المنظمات الدولية ولاسيما منظمة العمل الدوليّة والبنك الدولي مع إبراز اهم الفوارق بينها وذلك بخصوص "التحويلات الاجتماعية"، "شبكات الأمان الاجتماعي"، "الحماية الاجتماعية" و"أرضيّة الحماية الاجتماعية". أما في الباب الثاني فسيتم التعرض لأهم التجارب الدوليّة الناجحة من حيث الكفاءة في استهداف الفئات الفقيرة والهشة بعدد من البلدان ذات الدخل المتوسط (بلدان أمريكا اللاتينيّة، بعض بلدان منطقة شمال إفريقيا) وعدد من البلدان ذات الدخل المرتفع. أما الباب الأخير فيتم التقدّم بعدد من المقترحات تتعلق بالسبل الكفيلة بتعزيز كفاءة برامج المساعدات النقديّة المباشرة وتعظيم أثرها على العائلات المنتفعة في سلطنة عمان خاصّة وفي بلدان مجلس التعاون الخليجي عامة، واختتم أوراق العمل بورقة حملت عنوان نحو مؤشرات أكثر ملاءمة لقياس التنمية والحرمان في الدول العربية قدمها الدكتور خالد أبو اسماعيل مدير قسم السياسات الاقتصادية في الإسكوا تطرق من خلال ورقته الى دليل التنمية البشرية المعتمد من قبل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة والذي يصدر سنوياً في تقرير التنمية البشرية العالمي والذي يشوبه بعض النواقص حيث تفتقد المنهجية الاحتسابية إلى عدة جوانب أساسية وهي الحكم الرشيد والاستدامة البيئية والأحوال المعيشية، كما أنه لا يأخذ بعين الإعتبار استقرار واستدامة النمو الاقتصادي، وتبنت هذه الورقة مقترح لبلورة دليل تنمية عربي جديد يحتوي على خمسة أبعاد وهي: البعد الاجتماعي، البعد الاقتصادي، الحوكمة، البيئة، والبعد المتعلق بالأحوال المعيشية. وبتطبيق هذا الدليل على الدول العربية وباقي دول العالم نجد أن هناك أثر سلبي على العديد من الدول الخليجية باستثناء سلطنة عمان.

مشاركة واسعة

يُذكر أنَّ جلسات مؤتمر الجمعية الاقتصادية عقدت بقاعة المؤتمرات بمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلـوم لمدة يومين بمشاركة ممثلين من عدة مؤسسات دولية وإقليمية ومحلية -مثلت في مجملها رؤاهم الشخصية- ورؤساء وأعضاء من الجمعية الاقتصادية الخليجية، وجمعية الاقتصاديين البحرينية، وجمعية الاقتصاد السعودية والجمعية الاقتصادية الكويتية، وجامعة السلطان قابوس وشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية واللجنة الاقتصادية الاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) والمنظمة العربية للشفافية والنزاهة ومبادرة الجسور والهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية والمعهد الجامعي للبحث العلمي بجامعة محمد الخامس، الرباط، مملكة المغرب ومركز البحوث والدراسات الاجتماعية بتونس ومركز مؤاب للأبحاث الاجتماعية والثقافية بالأردن والعديد من المنظمات والجامعات الاقليمية والشخصيات البرلمانية والدبلوماسية والاقتصادية، وكذلك الأكاديميين الذين قدموا أوراق عمل حول محاور المؤتمر المختلفة.

تعليق عبر الفيس بوك