"باجامويا التنزانية والشراكة اﻹستراتيجية"

خلفان الطوقي

لم يأتِ قرار استثمار السلطنة في المنطقة الاقتصادية في باجامويا التنزانية من فراغ، فهناك الكثير من المعطيات وعناصر النجاح، سأحاول في هذه اﻷسطر أن استعرض جزءا يسيرا من هذه العناصر، فبالإضافة إلى المكاسب السياسية والتاريخية التي تربطنا بشرق أفريقيا، ستكون هناك مكاسب إستراتيجية واقتصادية واجتماعية في المستقبل كما أراها بإذن الله.

يحسب لهذا المشروع النجاح منذ بدايته، فقد نجحت السلطنة من خلال فريقها التنفيذي في إقناع جمهورية الصين بالمشاركة معها في هذا المشروع العملاق الذي سيُكلف المليارات من الدولارات، فمجرد مشاركة السلطنة للصين ستضع السلطنة في الخارطة العالمية الاقتصادية، وبمشاركتها مع الشركة المتخصصة العملاقة "تشينا مارشنت جروب" فإنّ ذلك سيضعها في الخارطة المتخصصة في قطاع الموانئ واللوجستيات والصناعة أيضًا، علماً بأنّ الشريك الصيني يعتبر الذراع الحكومي لحكومة الصين في قطاع إدارة الموانئ واللوجستيات، ويكفي أن نعرف أنّ هذه المؤسسة العملاقة تمتلك وتدير عشرات الموانئ على مستوى العالم، ولديها حلم صيني بإحياء خط الحرير البحري من جديد، ولولا المصلحة اﻹستراتيجية للحلم الصيني لما وافقت الصين بمشاركة العمانيين، يتضح ذلك جليًا من خلال موافقة الجانب الصيني على قرار المشاركة - وهو الجانب صاحب النسبة الأكبر - مما يعني أنّهم سيستفيدون من الموقع الجغرافي للسلطنة أيضًا، وكما يقول المثل الشعبي "إن الذئب لا يهرول عبثاً".

إن من أهم المحفزات وعناصر قرار الاستثمار العماني في منطقة باجامويا التنزانية اختيار تكتل قوي وشركاء إستراتيجيين مثل تنزانيا والصين، فلنبدء بالمؤشرات الاقتصادية التنزانية التي تعتبر من أفضل المؤشرات الاقتصادية على مستوى قارة أفريقيا بل على مستوى العالم، فمؤشر النمو الاقتصادي فيها يصل إلى 7.9% في سنة 2014م، وهي قريبة من هذه الوتيرة منذ عدة أعوام، وكما هو معروف فإن تنزانيا مستقرة سياسيًا منذ أكثر من خمسين عاماً ومنذ أن انتقلت من النظام الشيوعي إلى النظام الرأسمالي، ولديها علاقات أكثر من رائعة مع جيرانها ومناطق الحدود، ولأهميتها الجغرافية والاقتصادية فقد حظيت بزيارة معظم الرؤساء اﻷمريكيين والصينيين على مر السنين، كما أنّها تمتاز بوفرة الموارد البشرية المتخصصة المدربة والرخيصة في نفس الوقت، كما أنّ الموقع البحري المختار للميناء يعتبر المدخل الوحيد لستة دول أفريقية وتعداد هذه الدول لا يقل عن 250 مليون نسمة، كما تعتبر تنزانيا محط أنظار الشرق والغرب لما لديها من مخرون وفير من الغاز والموارد الطبيعية اﻷخرى، من جانب آخر فإنّ مشاركة الصين هي طويلة المدى وستفتح آفاقاً رحبة وتعتبر شراكة إستراتيجية، فلدى الصين حلم عملاق تسعى بسرعة فائقة لتحقيقه، أيضًا لديها الخبرة الفنية، واﻹدارة التنفيذية المميزة في أفريقيا وخاصة في تنزانيا، فالصين لديها خبرة في السوق التنزاني وحصلت على امتيازات عديدة ومشاريع عملاقة في السكك الحديدية والاتصالات، ويسعون للحصول على حصة من سوق الغاز والموارد الطبيعية قريبًا، لذلك فإنّ عُمان ومن خلال هذا التحالف يجمع في طياته نظرة ورؤية بعيدة المدى، وخاصة مع الحليف الصيني، وهؤلاء اﻷطراف يجمعون مزايا ونقاط قوة يمكن تجمعيها لإنجاز الحلم العماني الصيني التنزاني

هذا الاستثمار الإستراتيجي لم يأتِ من فراغ، فكما هو معروف فإن بدايته كانت منذ 2008م عند أول زيارة للرئيس التنزاني الحالي للصين واستمرت المحادثات منذ ذلك الوقت إلى أن تم توقيع اتفاقية حجر اﻷساس بتاريخ 16 أكتوبر 2015م، المشروع العُماني الصيني التنزاني لا يخص إدارة الميناء فقط كما يتوقع البعض بل يمتد لقطاعات كثيرة ويشمل منطقة صناعية سكنية لوجستية متكاملة ستحتضن كبرى الشركات العالمية التي هي شريك وحليف مستمر للشركة المشغلة وتتبعها أينما وجدت بسبب مصداقية والمعايير التخصصية العالية للمشغل وهو الحليف اﻹستراتيجي الصيني، هذه المنطقة أيضًا ستشمل كافة الخدمات والصناعات المصاحبة التي يمكن للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة أن تستفيد من هذه الفرصة سواء كانت عمانية أو صينية أو تنزانية، المشروع يضم في طياته العديد من المراحل وقابل للتوسعة ليصل لأكثر من 2400 هكتار أي حوالي 25 كيلومترا مربعا.

بدخول السلطنة في هكذا شراكة فإنّها تحقق مبدأ تنويع مصادر الدخل بدلاً من الاعتماد على النفط فقط، وإيجاد موطئ قدم لها في الاقتصاد العالمي من خلال البوابة الأفريقية الغنية بالموارد الطبيعية والبشرية وجنبًا إلى جنب مع عملاق الصناعة والاقتصاد الآسيوي، وتحاول إيجاد طرق ابتكارية والتفكير خارج الصندوق بربط الموانئ العمانية بالموانئ العالمية التي ستساعد في ازدهار شعوبنا خاصة وأننا أيضًا شركاء مع حليفنا الصيني في ميناء كامبورت التركي، عموماً أتوقع في اﻷيام المقبلة أن تظهر لنا المكاسب المباشرة وغير المباشرة من هذا المشروع الإستراتيجي العملاق بإذن الله، فلندعو الله لعُمان وللقائمين على هذا المشروع بالتوفيق والسداد.

تعليق عبر الفيس بوك