سأنتخبُ عُمان للمجلس القادم (2)

حَمَد العلوي

لقد كتبت قبل أربعة أعوام في شأن انتخابات مجلس الشورى مجموعة مقالات، وكان دافع الكتابة وقتذاك التنبيه على ما كان يدور في الانتخابات السابقة عن بعض التوجسات، وكنت وغيري من الكتاب ننبه إلى رغبة المواطنين في تغير الصورة النمطية عن سلوك القلة من المترشحين، الأمر الذي أحدث احباطاً في نفوس الناخبين، نظراً لاعتقاد سائد إن أولئك البعض غير ملتزم بشروط النزاهة والاستقامة، مما حدا البعض يعرض عن الترشح، وكذلك يعزف الناخب عن الذهاب إلى مراكز الإنتخاب، لاعتقادهم إن العضوية ربما تذهب في طريق غير الطريق المرسوم لها، وقد يكونوا على حق في تصويرهم هذا، لأن تصرفات بعض المترشحين أخذت تصب في ذلك الاتجاه الخاطئ، وكان من بين تلك الأمور المشكوك في مصداقيتها، قيام بعض المترشحين بتوفير وسائل للنقل، ووجبات طعام، مما يجعل المرء يخجل من نكران هذا الجميل الحاتمي، خاصة وقد يكون بعضهم قد تعرض إلى إلحاح من المترشح، وقد يكون قد مهّد للطلب في ضمان صوته ببعض الهدايا أو الوعود الرنانة، الأمر الذي يتعدى جمائل النقل والطعام، جمائل وزد على ذلك إن عدد كبير من الناس ينظر إلى الفائز، على إنه يمثل عزوة البلد أو القبيلة وأية صلة من صلات القربى الاجتماعية، وهذا معيار آخر للفوز بالأصوات.

لقد اقترحتُ في واحدة من المقالات السابقة، أن تتحمَّل الجهة راعية الانتخابات -وهي وزارة الداخلية بالطبع- نفقات النقل للمقترعين؛ وذلك لمنع أي فضل قد يتميَّز به مترشح على آخر، ومنع الوجبات الاحتفالية، وهذا ممكن لأن الأعداد التي تحضر وتحتاج إلى وسائل نقل، هم قلة من كبار السن، وعندما يتم نقلهم على مجموعات وفق برنامج معين، فإن مسألة التصويت ستكون سلسة وسهلة، وقد لا يكون هناك ازدحام وانتظار، فالذي يأتي بالدفعة الثانية، ينقل معه في طريق العودة، من كان قد أتى في الدفعة الأولى وهكذا. وبذلك، لن يتعطل الناس حتى يحتاجوا إلى وجبة طعام، ومن ضمن الإجراءات كذلك، أن تمنع الزيارات الخاصة للمترشحين بعد اعتماد قائمة الترشُّح النهائية، وإنما يُكتفى باللقاءات العامة التي يطبقها بعض المترشحين اليوم؛ وذلك لمنع الهبات الشخصية وكل أساليب التحريض والحث، والأمر المهم كذلك أنَّ الدولة بأجهزتها الرقابية بالتحري والمتابعة، وأن تفعّل الأحكام الرادعة، وأن تضرب بيد قوية على المفسدين في الأرض، وقفل الباب أمام المتسلقين على أكتاف البسطاء، والساعين إلى الوجاهة والرغبات الخاصة، وهذه أمانة كبيرة لا يجوز غضُّ النظر عنها، في أية مرحلة من المراحل، والناس عندما تعلم بالردع والحسم سترتدع.

... إنَّ عُمان تستحق أن يُمثلها المرء القوي الأمين، وليس الولي الحميم للذي يواليه ويسنده دون الوطن والمجتمع، وإن المجتمعات مهما كانت جادة ومحترمة، فلا بد أن ينبت بين ثناياها بعض المحبطين والمتسلقين، ولكن الصخر الصلد لا يقوى على تسلقه، إلا الأقوياء والمخلصون من صفوة الأمة، الذين يعلون شأن الوطن بالحكمة والفكرة والعمل الجاد. وعليه، نجد أنَّه لزاماً علينا كمواطنين أن نشدُّ على أيدي الأقوياء، وأن نُبعد الضعفاء عن المسار لأنهم يعطلون المسيرة ويُضعفون تقدمها، وبذلك فلن نكون مطايا طيعة لأصحاب النوايا غير الحميدة، وأصحاب النفوس الرعناء. وأن نحمي بكل قوة المجد الذي صنعه القائد المعظم جلالة السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله ورعاه- على مدى 45 عاماً من عمر هذه النهضة العظيمة المباركة -بإذن لله وتوفيقه- وأن نؤكد أننا نتحيَّز بكل فخر إلى انتخاب عُمان دون الأشخاص.

safeway-78@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك