السرقات الأدبية

صالح البلوشي

يُعرف المعجم الوسيط السرقة الأدبية بأنها "الأخذ من كلام الغير، وهو أخذ بعض المعنى أو بعض اللفظ؛ سواءً كان أخذ اللفظ بأسره والمعنى بأسره". ومن يتابع هذه الظاهرة في العالم العربي، يجد أنَّ السرقات قد تجاوزت في سياقات كثيرة أخذ بعض المعنى أو أسره إلى سرقة صفحات وعبارات بأكملها دون الالتزام بالتنصيص أو إشارة إلى المصدر الرئيسي لها وإيهام القارئ أنها اجتهادات شخصية، بل إن هناك من يسرق في وضح النهار كُتُباً وبُحوثاً ودراساتٍ كاملة وينسبها إلى نفسه دون حياء أو خجل من اكتشاف أمره، وأذكر في هذا الصدد ما قام به الداعية الشهير عائض القرني سنة 2012 من سرقة لكتاب الكاتبة السعودية سلوى العضيدان بعنوان "هكذا هزموا اليأس" وإعادة نشره باسمه تحت عنوان "لا تيأس"؛ مما دفع لجنة حقوق المؤلف بوزارة الإعلام السعودية إلى تغريم القرني مبلغ 330 ألف ريال سعودي وسحب كتابه من الأسواق ومنعه من التداول، ومن الغريب أنه رغم ثبوت السرقة على الرجل وافتضاح أمره فلا يزال يحتفظ بشهرته بين جماهيره التي تتابعه في القنوات الفضائية والمنابر وكأن شيئا لم يحدث، أو كأن العضيدان هي التي سرقت كتاب القرني وليس العكس، وهذه ظاهرة تستحق لوحدها دراسة خاصة.

وبعد الثورة المعرفية التي يشهدها العالم منذ عدة سنوات -خاصة الشبكة العنكبوتية العالمية "الإنترنت"- أصبحت السرقة أكثر سُهولةً ويُسراً من السابق، وأصبح بإمكان السارق السطو على مقال كامل ونسبته إلى نفسه؛ وذلك بتغيير بعض الكلمات فيه وحذف أخرى وإدخال عبارات جديدة من مقالات أخرى، ليكون مقالا جاهزا للنشر بعد أقل من ساعة ليقرأه القراء في اليوم التالي مذيلا باسم السارق، لتنهال عليه رسائل الإعجاب والإطراء من كل جانب لتحييه على هذا "المقال الرائع والجميل" الذي لم يكلف كاتبه (السارق) سوى ساعة أو أقل، ولكنه نسي في ذروة نشوته بعملية السرقة أن سلاح الإنترنت ذو حدين، فهو في الوقت الذي يساعد السارق كثيرا في عملية السطو؛ فإن إمكانية كشفه لا تتكلّف وقتا كثيرا أيضا، ولا تتطلب الاستعانة بمحققين دوليين أو تشكيل لجنة تحقيق من أجل الكشف عن السرقة، وإنما مجرد جولة في (الشبكة العنكبوتية) لا تكلف أكثر من ساعة وربما أقل.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يقوم بعض الكُتاّب بالسرقة والسطو على نتاجات الآخرين؟ خاصة الكتابات المعرفية التي أصبحت تعاني كثيرا من أشكال السطو المختلفة في السنوات الأخيرة؟ أعتقد أنَّ هناك عدة أسباب لذلك؛ منها: اعتقاد السارق أن ذلك يحقق له شهرة ونجومية في عالم الفكر والثقافة، وهو اعتقاد غير صحيح بطبيعة الحال؛ فالمعرفة لا تهدف إلى الوصول للشهرة؛ فالكتابة المعرفية ليست كالغناء والطرب والتمثيل حتى يحقق لصاحبها الشهرة والنجومية ويشار إليه بالبنان، وهناك فلاسفة كبار لم يعرف بهم احد إلا بعد أن تجاوزوا الستين من العمر مثل: الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانط (1742-1804)؛ على سبيل المثال: بسبب أن: "النضج الفلسفي لكانط كان بطيئا ومتأخرا بالقياس إلى هيجل ونيتشه -مثلا- في حين أن كانط لو مات قبل الستين أو قبل السابعة والخمسين بالضبط، لما سمع باسمه أحد، فكتابه الشهير "نقد العقل الخالص" جاء في ذلك العمر" (المفكر السوري هاشم صالح في كتابه الرائع "معارك التنويريين والأصوليين في أوروبا" ص:133). كما ان مفكرا كبيرا مثل جورج طرابيشي لا يتعدى شهرته في العالم العربي المهتمين بالقضايا الفكرية فقط، ولو قارنا بينه وبين أي مطرب عادي في العالم العربي لكانت شهرة المطرب أكثر منه.

وهناك من يلجأ إلى السرقة لافتقاره إلى معرفة الطرائق المنهجية للكتابة المعرفية، خاصة اشتمالها على مصطلحات معرفية صعبة ومعقدة، فيلجأ إلى السطو على كتابات الآخرين ونسبتها إليه؛ حتى يقال عنه بأنه صاحب فكر عميق وقارئ ممتاز للإنتاج المعرفي العالمي بمدارسه الفكرية المختلفة، وأتصور أنه كان الأجدر بهذا السارق تعلم الكتابة المعرفية عن طريق القراءة المنهجية والاطلاع على المدارس الفكرية المختلفة بشكل جيد حتى لو كلفه ذلك سنوات من عمره بدلا من اللجوء إلى السرقة وتشويه أسمه وسمعته بين القراء ووسائل الإعلام التي ستمتنع عن نشر كتاباته مستقبلا حفاظا على سمعتها بين القراء. وقبل عدة سنوات أسس بعض المهتمين بهذه الظاهرة موقعا إلكترونيا في "الإنترنت" تحت عنوان "لصوص الكلمة" وقالوا إنه "لكشف كل من تسول له نفسه التعدي على جهود الآخرين وسرقة أفكارهم وانتهاك حقوقهم الفكرية"، وقد أسهم الموقع في توثيق عشرات السرقات الأدبية تورط فيها أسماء بارزة في عالم الصحافة والفكر والأدب في العالم العربي. لذلك؛ فإنني أعتقد أن فضح السرقات الأدبية ونشر ذلك في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية هو واجب ثقافي بالدرجة الأولى، خاصة بعد أن شهدت هذه الظاهرة انتشارا كبيرا في السنوات الأخيرة؛ وذلك للحد من هذه الظاهرة، وحماية الثقافة والفكر من المتطفلين والمغرورين الذين يتوهمون أنهم يستطيعون أن يصلوا إلى الشهرة والنجومية والجاه عن طريق السطو على اجتهادات الآخرين، وحماية لقدسية الكلمة والرأي.

تعليق عبر الفيس بوك